
استهداف مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين… زيارة ميدانية
عبد الحميد صيام
حرير- المخيم الفلسطيني مستهدف دائما من أنظمة القمع العربي، التي تريد أن تدفن قضية فلسطين في التراب ومن الكيان الصهيوني الفاشي، الذي يسعى دائما لإغلاق ملف اللاجئين وحق العودة والمنظمات الدولية، التي ساهمت وتساهم في بقاء هذا الحق حيا. المخيم حامل الراية وقائد المسيرة وحامي حق العودة، يظل الهدف الدائم للكيان، لأنه كما وصفه سيد الكلمة: «مخيما ينمو وينجب زعترا ومقاتلين وساعدا يشتد في النسيان» يحافظ على الذاكرة ويتصدى لمشاريع التذويب والتهجير والدمج.
ليس غريبا أن يستهدف الكيان الصهيوني جميع مخيمات غزة والقدس والضفة ولبنان وسوريا والأردن. يحاول تدمير المخيم وتشتيت سكانه، فإن لم يكن ذلك ممكنا كما الحال في مخيم شعفاط الواقع في منطقة القدس، يقوم بمحاصرته وتدمير بنيته الاجتماعية، ونشر كل أنواع المفاسد والفوضى ومنع قيام سلطة محلية كي يحرف السكان عن واجبهم الوطني. ويأتي استهداف وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا) في هذا السياق. فهذه الوكالة هي الشاهد على نكبة عام 1948 وتهجير الشعب الفلسطيني من دياره وأرضه ومزارعه ومدنه وقراه. فما فتئت إسرائيل تفتري على الوكالة وتشيطنها، وتعرقل عملها منذ عقود، إلى أن وصلت، بدعم أمريكي، إلى مرحلة منع عملها وإقفال مكاتبها واستهداف موظفيها وتجريم التعامل معها.
ورغم أن زيارتي للوطن كانت قصيرة، كان لا بد من زيارة مخيمات الشمال الثلاثة طولكرم ونور شمس وجنين، التي تعرضت للتدمير والتهجير في شهري يناير وفبراير من هذا العام ثم استمرت عمليات التدمير والإخلاء، وتغيير معالم المخيمات، حتى بقيت هياكل عظمية دون سكان. لقد تم تشريد نحو 42000 مواطن ومواطنة، عدا عن الشهداء والجرحى والأسرى الذين يعدون بالآلاف.
الطريق إلى الشمال
في الظروف العادية يمكن للمسافر من رام الله إلى طولكرم مرورا بنابلس وصولا إلى جنين أن يصل المكان خلال ساعة ونصف، أو أكثر قليلا. لكن السفر من مكان إلى آخر في الضفة الغربية مغامرة أخرى محفوفة بالمخاطر، لكثرة انتشار الحواجز الثابتة والمتنقلة. وعلى كل حاجز يوجد أبراج مراقبة وكاميرات ومسلحون أياديهم على الزناد كثير منهم يعودون بأصولهم إلى فلاشا إثيوبيا. فتح وإغلاق الحاجز يخضع لمزاج الضابط المسؤول. لا أحد يعرف لماذا يغلق الحاجز ومتى سيفتحه. يصبح الخروج من السيارة مغامرة. توقفت سياراتنا الأربع أمام حاجز عناب نحو 45 دقيقة دون أن نتحرك. قلت لصديقي لو أبرزت بطاقة الصحافة وتقدمت لأسأل متى سيفتح الحاجز، قال ستصبح مستهدفا مرتين أولا، لأنك صحافي، وهم يتلذذون بقتل الصحافيين، وثانيا لأن من يغادر السيارة ويتجه صوبهم لا يفترضون إلا نية المواجهة (الطعن أو الدهس) فيطلقون النار دون أي تردد. فشعارهم «أقتل أولا ثم حقق ثانيا». على طول الطريق ترى حفريات في في كل مكان وأعدادا هائلة من الجرافات تشق الطرق في الجبال، وتسوي الأرض لإقامة مستوطنات جديدة، أو توسيع المستوطنات القائمة. المستوطنون يسيرون على الطرقات، جماعات وأفرادا، دون خوف أو تردد. مستوطنة أرييل التهمت الجبال المحيطة بها وأصبحت مدينة كبيرة. وإمعانا في الإهانة والإذلال، نصبوا أعلاما على طول الطريق من الجانبين من نقطة عيون الحرامية التي قتل فيها شاب من سلواد 11 جنديا، إلى مداخل نابلس وصولا إلى طولكرم. هذا دليل خوف وقناعة بأنهم لصوص، وأن هذه الأرض لا يقرر هويتها علم المحتلين، قال أحد الرفاق الذي دخل الأسر ثلاث مرات.
وصلنا مقر جمعية وادي الحوارث في ذنابة، بعد أن مررنا عن عنبتا وطولكرم، والاسم يحمل اسم قرية من قرى فلسطين التي دمرت خلال نكبة عام 1948، كان في استقبالنا عدد من أبناء مخيمي طولكرم ونور شمس المهجرين، الذين ضاقت بهم الأحوال فلجأوا إلى الأقارب وأهل الخير والخيم والبيوت المهجورة. لقد نسيهم العالم وكأن التهجير في الضفة الغربية أمر سهل وتحت السيطرة وهذا غير صحيح. أقام أهل الخير تكيّة تقدم الطعام يوميا لنحو ثلاثة آلاف مهجّر. يقوم أهل الخير بتقديم المساعدات المالية، أو العينية لتبقى التكية مستمرة في تقديم الوجبات اليومية للمهجرين وأمهات الشهداء والأرامل وعائلات الأسرى والمعتقلين. وأريد أن أقتبس بعض الجمل من أحاديث الناس الذين التقينا بهم من القائمين على تكية الخير، أو من المتضررين والمهجرين وأهالي الأسرى والشهداء حتى لا أضع الكلام على السنتهم، بل أتركهم يتحدثون عن معاناتهم.
مسؤول التكية: بدأنا تكية الخير بفضل جهود أهلنا في القدس ورام الله، الذين وقفوا مع أهلنا النازحين والمهجرين. هناك مؤامرة على رؤوس المخيمات. المطلوب ألا تبقى مخيمات. بدليل منع وكالة الغوث العمل في المخيمات. منذ عشرة شهور لم يسمح للوكالة أن تدخل المخيمات، أو مدارس وعيادات المخيمات. هناك 45 ألف نازح أخرجوا من ديارهم. هناك تقصير رسمي من السلطة، وكأننا شعب غريب. ترك الناس لمصيرهم، ولولا حملة التضامن معنا من أهل الخير لكانت حالتنا أسوأ بكثير.
أحد أبناء ذنابة: هذا يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني والأولى أن يتضامن الشعب الفلسطيني مع نفسه. نشكر كل من وقف مع أبناء المخيمات المهجرين من بيوتهم. نحن نشاهد نسبة التضامن مع أبناء المخيمات من أبناء شعبهم. هذه التكية تعمل منذ 11 شهرا بتقديم الوجبات للمهجرين، هذا نموذج لتضامن أبناء شعبنا مع أنفسهم. هناك حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني ولا مجال إلا الصمود. «أنتم تسكنون المخيم ونحن المخيم يسكن فينا». لا مجال أمامنا إلا الصمود، نحن نحب بعضنا بعضا ونقف مع أبناء شعبنا، لا بد إلا أن يتحقق حلمنا في العودة والتحرير.
ناشطة من رام الله: هذا يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، نحن لسنا متضامنين لأننا جسم واحد، الإنسان لا يتضامن مع نفسه. هناك حرب على المخيمات. المخيم هو الذي يختزن الذاكرة الفلسطينية والمعاناة والتشرد. سعداء أن نكون معا ونحن نعمل معا للعودة إلى بيوتكم أولا في المخيمات، ثم إلى بيوتنا الأصلية. بالتأكيد هذه التضحيات لن تذهب سدى ونحن في حضرة أمهات الشهداء خاصة والدة الشهيد أبو شجاع، نحن معكم للنهاية.
طبيب: نشعر بالعجز أمام أمهات الشهداء، هذه ليست الزيارة الأولى، نأتي اليكم فنزداد قوة وعزما وتصميما على المضي للعمل على تحرير وطننا من البحر إلى النهر. لا مجال للتقسيم والتجزئة والتعايش مع الاستعمار الاستيطاني، هناك جسم اسمه «كلنا غزة ـ كلنا فلسطين» بدأ ينتشر في كل العالم العربي والعالم، تعمل هذه الحركة على توحيد جهود العالم الداعمة لفلسطين. نعمل مع هذه المجموعة لتعزيز الدعم لشعبنا الذي ينتشر في كل الدول العربية والأجنبية، الأمور تتغير لصالح القضية في العالم، أنا جاهز للعمل مجانا وتقديم معاينة مجانية لأبناء المخيمات.
مهندس: احتياجات النازحين كبيرة لا يستطيع أن يقوم بها أفراد رغم كرمهم ومساعداتهم الكبيرة.
أم الشهيد: أول مرة أسمع كلاما طيبا من جزء من أبناء شعبنا. كنت منهارة عندما استقبلت ابني الأسير الأربعاء، أشعر بأن هناك من يقدر تضحياتنا ويحترم شعورنا. كلامكم يعبر عنا. أم شهيدين وأسير: ولداي استشهدا والأسير قام بعملية بطولية أفتخر به. أنا لا أحسن الخطاب. نحن صامدون وسنظل ندافع عن بيوتنا. دمروها ولكن سنبنيها ثانية. نذهب لزيارة بيتنا المهدم لنشم رائحة الأرض ونتلمس مواطن ذكرياتنا وذكريات أولادنا. لن نتخلى عنها. وأنا أم شهيد. أود التكلم بصراحة، لقد قطعوا عنا الرواتب، يدفعون لأم الشهيد 700 شيقل كنوع من التضامن الاجتماعي، وليس كواجب وطني. لم يزرنا لا محافظ ولا مسؤول ولا عضو في السلطة. أنا أفتخر بكم وبزيارتكم. لا نريد من أحد من السلطة أن يذكر اسماء أولادي الشهداء ويتاجر بهم.
ناشط شبابي: بيتي هدم. لا أحد يتحدث عن أوجاع المخيمين نور شمس وطولكرم. كان أبناء المخيم يدافعون عن كرامتنا. سقطوا شهداء وهم يدافعون عن الناس في المخيم. كانت كرامتنا محفوظة. غزة هي القدس والقدس غزة. لولا الطوفان لما انتشر هذا الحجم من التضامن، غزة رمز العزة.
من تلة قريبة رأينا مخيم نور شمس المدمر، الجرافات تعمل على تجريف المباني والأزقة وفتح طرق عريضة. كل ممارسات الكيان في أرض فلسطين تكمل بعضها بعضا بهدف الضم والتهجير. في طريق العودة استوقفنا حاجز جبع العسكري لمدة ساعتين. يضغطون على أعصابنا كي نرحل.. كي نكره العيش في الوطن. لكننا باقون فوق صدورهم كالجدران وفي حلوقهم كشوكة الصبار.



