
وداعا للهدوء في الشرق الأوسط
فهد الخيطان
حرير- مَنْ مِن قادة الشرق الأوسط ينام مطمئنا لليوم التالي؟ بعد السابع من أكتوبر لم تذق دولة في المنطقة طعم الراحة. ذلك اليوم أعاد المنطقة إلى زمن الصراعات.
كان القلق يساور الجميع من صفقة كبرى، تضع إسرائيل في قلب العالمين العربي والإسلامي. إدارة بايدن على خطى سلفه ترامب وخليفته من بعد، يدفع بقوة نحو اتفاق تاريخي لتطبيع علاقات إسرائيل مع دول كبرى في المنطقة. أسابيع قليلة كانت تفصلنا عن الحدث الكبير في واشنطن. الجدل لم يتوقف بين عواصم القرار العربي، حول أفضل صفقة ممكنة.
حكومة نتنياهو مطمئنة لغزة، ولاتخشى خطرها. الأعين كانت مفتوحة على الجبهة الشمالية، ومايخبئه حزب الله وقوة الرضوان، لإسرائيل.
وسط هذا الهدوء المريب، وقعت الواقعة؛ بضع مئات من الشبان يخترقون التحصينات الإسرائيلية. وكان ما كان، من أحداث لم تشهد مثلها إسرائيل في تاريخها.
لم يكن أحد ليتصور أن إسرائيل المصدومة بالفشل الاستخباراتي، والشلل العسكري، ستفتح حربا كبرى في الشرق الأوسط، لنودع منذ ذلك اليوم سنوات الهدوء، وأحلام السلام الإقليمي.
حلت الكارثة بغزة، ولحقتها لبنان، وخلفت الحرب مالم يكن متوقعا؛سقوط نظام بشار الأسد، بعد أشهر قليلة على قرار عربي بإعادة تأهيله. وجبهة، لا بل جبهات، مع إيران وسورية، واليمن، حتى قطر وتونس.
هدأت أصوات المدافع قبل أسابيع فقط، وآخر طلعة جوية لقصف طهران، أعادها ترامب والطائرات تحلق في الجو.
هل عاد الهدوء حقا إلى المنطقة، أم أنها استراحة قبل جولات جديدة من المواجهة؟
الهدوءلا يطمئن القادة ولا الشعوب في المنطقة. المواجهات على عديد الجبهات لم تحسم بعد. حكومة نتنياهو المتوحشة، تقول إن الحساب لم يسوَّ مع الأعداء، هنا وهناك. ودول في المنطقة تمر بصراعات داخلية، لا علاقة لإسرائيل فيها.
وقف إطلاق النار في غزة، مجرد هدنة من وجهة نظر نتنياهو، يمكن أن تنتهي في أي وقت. التحضيرات لهجوم أكبر على لبنان، لم تعد سرا. لبنان تلقى سلسلة إنذارات، ويلح في عرض الدبلوماسية والمفاوضات، لتجنب الكارثة. جبهة الحوثيين لم تسقط من حسابات نتنياهو. وتبقى إيران، الهدف الكبير للجولة الحاسمة من المواجهة. هناك في طهران فقط، يمكن لنتنياهو أن يقول انتصرنا.
الهدوء في الشرق الأوسط صار شيئا من الماضي. يسجل التاريخ، أحداثا أقل أهمية بكثير من طوفان السابع من أكتوبر، كانت السبب في اشتعال حروب كبرى وعالمية. عندما يكون السلام متعذرا بين الخصوم، تصبح الحروب هي الخيار الوحيد المتاح.
في الشرق الأوسط، الأمر أكثر تعقيدا.
انهيار القطبية الثنائية، حمل معه، تبدلات جيوسياسية هائلة في شرق ووسط أوروبا، طالت تداعياتها، مناطق واسعة في العالم، وأعادت تشكيل هوية الاتحاد الأوروبي، ودور حلف الناتو، ومكانة الصين في النظام الدولي الجديد. وأخيرا، اخطر ما نعيش من تداعيات؛ حرب روسيا على أوكرانيا، تدفع بمواجهة عالمية لايعرف مداها.
دول الشرق الأوسط،عاشت عقودا مريرة،وتعرضت كياناتها لزلازل وبراكين سياسية. لكن ما بعد السابع من أكتوبر، قد يحمل معه، تبدلات أعمق، تطال كيانات ودولا، اهترأت من داخلها بفعل الاستبداد، وحكم الطوائف، والصراعات الأهلية.القضية الفلسطينية، التي شكلت القاسم المشترك لخطاب الأمة، تتحول إلى مشكلة، تؤرق الجميع.
إسرائيل تريد الفوز بحصة الأسد من المنطقة؛ سيطرة شبه مطلقة حتى أبعد نقطة من الجغرافيا، وفيما بينها، كيانات ممزقة. وللتاريخ، لا يبخل العرب قريبهم وبعيدهم، في منح نتنياهو الفرصة، ليفصل في المنطقة كما يشاء.
وداعا للهدوء في الشرق الأوسط.



