
مخاوف السوريين غير العلنية
ماهر أبو طير
حرير- قرأت تقريرا صحفيا مهما نشرته قناة المملكة يتحدث عن تأجيل أغلب السوريين في الأردن عودتهم إلى سورية، لاعتبارات كثيرة.
ينسب التقرير إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين معلومات دقيقة حيث تشير المفوضية إلى عودة نحو 165,000 لاجئ مسجل لديها من الأردن إلى سورية منذ 8 كانون الأول 2024، أي بعد سقوط النظام، حتى 18 تشرين الأول 2025، موضحة أن الخصائص الديموغرافية للعائدين بقيت مستقرة، حيث تمثل النساء والفتيات نحو 49 % من إجمالي العائدين، بينما يشكل الأطفال نحو 43 %، والرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً نحو 19 %.
ووفقا لبيانات عودة الأسر منذ كانون الأول 2024 تبين أن نحو 57 % من الأسر عادت بكامل أفرادها، بينما شهدت نحو 43 % عودات جزئية، حيث بقي بعض الأفراد في الأردن.
تشير إفادات اللاجئين إلى أن الأسر تتبع إستراتيجيات مختلفة للعودة حسب ظروفها؛ ففي نصف الحالات تقريبا عادت الزوجات أولا إلى سورية بينما بقي الأزواج في الأردن للعمل، وفي النصف الآخر عاد الأزواج أولا لتأمين السكن والاستقرار، تمهيدا لالتحاق بقية أفراد الأسرة لاحقاً.
الذي يدقق في تحليل معلومات المفوضية يكتشف أمرين، أولهما أن العودة مؤجلة ومرتبطة بنهاية العام الدراسي، وهي ذات الإشارة التي سمعناها خلال العام الماضي، أي انتظار نهاية العام الدراسي، وبرغم ذلك لم يعد إلا عدد قليل جدا، وثانيهما أن أغلب أسباب عدم العودة ترتبط بالوضع الداخلي في سورية، والواقع الاقتصادي، وغير ذلك من مبررات صارت معروفة ولم تعد سرا لدى السوريين وغيرهم.
تجاوب السوريين مع برامج المفوضية للعودة الطوعية بقي منخفضا، كما أن الدعوات السورية لمواطني سورية للعودة لم تجد قبولا، لاعتبارات كثيرة، وهذا يعني أن هناك أسبابا أعمق تحول دون عودة السوريين، وقد قيل مرارا إن هذه القصة باتت مستدامة.
إذا حاورت السوريين في الأردن يعددون لك خمسة أسباب عميقة وإضافية لا تقال علنا في أغلب الحالات، إذ بالإضافة إلى الأسباب التقليدية مثل عدم توفر المساكن، وانخفاض الأجور، هناك مخاوف لدى السوريين من قضايا الثأر القبلي خصوصا أن أغلب السوريين في الأردن هم من مناطق قبلية جنوب سورية، وهناك قضايا عالقة على خلفية ملفات قتل، وتأثيرات الحرب السابقة، كما أن السبب الثاني يرتبط بشبه قناعة أن إسرائيل سوف تحتل كل مناطق جنوب سورية، فلماذا يعود السوري ليعيش تحت احتلال محتمل مقبل على الطريق.
أما السبب الثالث فيرتبط بكون الطبقة السورية التي هاجرت إلى الأردن أغلبها فقير، ولا أرض لها ولا ممتلكات في سورية، وربما معيشتها في الأردن أفضل، فيما السبب الرابع نشوء أجيال سورية جديدة في الأردن بعد ولادة أكثر من ربع مليون طفل سوري على صلة مباشرة بالأردن على مستوى الأصدقاء والمدارس وهذا الارتباط تحوّل من ارتباط اضطراري إلى ارتباط اجتماعي.
أما السبب الخامس وهذا هو الأخطر فهو عدم اليقين بشأن احتمالات نشوب حرب أهلية في سورية على خلفيات متعددة، أو تعرض دمشق الرسمية إلى اضطرابات غير متوقعة تطيح بكل الوضع الأمني.
الاستخلاص هنا أن عودة السوريين إلى بلادهم تخضع لخريطة معقدة من الاعتبارات ولعل أخطر ما يقال هنا أن أغلب الذين عادوا نقلوا انطباعات سلبية اتسمت بالندم حول العودة ونقلوا هذه الانطباعات لمعارفهم الذين بقوا في الأردن، ونصحوهم بالتمهل وعدم الاستعجال، ويمكن إجراء استطلاع جريء حول هذه النقطة بالذات.
مفتاح العودة يكمن فعليا في يد دمشق الرسمية التي عليها أن تبادر لمعالجة عدم أسباب عودة السوريين إلى بلادهم، حتى لا نصبح أمام إزاحة ديموغرافية تخلخل سورية، وتمس الأردن من حيث النتائج، خصوصا أن الكل معني بأن تبقى هذه المنطقة مستقرة وآمنة.



