ما الذي يُنتظر من النواب بعد تقرير راصد؟

سلامة الدرعاوي

حرير- تقرير راصد لا يكتفي بعرض الأرقام حول أداء السادة النواب، لكن يرسم ملامح الطريق لما يُفترض أن يكون عليه الأداء النيابي في المرحلة المقبلة.

فبعد عام من العمل البرلماني الذي اتسم بالنشاط الكمي، يبرز أمام مجلس النواب واجب وطني وتشريعي أساسي يتمثل في تحويل الكم إلى نوع، والمؤشرات إلى نتائج، والأدوات الرقابية إلى أثر سياسي وتشريعي ملموس.

الأرقام الواردة في التقرير- من 1125 سؤالًا برلمانيًا و28 اقتراحًا بقانون و46 اقتراحًا برغبة و70 مذكرة- تُظهر حيوية في الشكل، لكنها تكشف في الوقت ذاته الحاجة إلى إعادة توجيه العمل النيابي نحو العمق والسياسات العامة، فحين تكون 2.3 ٪ فقط من الأسئلة نوعية، وأغلبها خدمية أو محلية، فإن الأولوية تصبح تطوير أدوات الرقابة لتستهدف القضايا الوطنية، والمالية والاقتصادية، ومتابعة تنفيذ التشريعات الكبرى، لا الاكتفاء بطلب الخدمات أو معالجة الجزئيات.

ويُنتظر من النواب، بناءً على مؤشرات التقرير، أن يمارسوا دورهم التشريعي بطريقة أكثر مؤسسية من خلال، رفع كفاءة التشريع عبر دراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي للقوانين قبل إقرارها، بدل الاكتفاء بتمرير النصوص، وتفعيل المتابعة البرلمانية لما يُقرّ من قوانين، لضمان التطبيق السليم وتحقيق الأثر في المالية العامة والاقتصاد الوطني، وتعزيز الرقابة النوعية، بحيث تُستخدم الأدوات الدستورية – من الأسئلة إلى الاستجوابات – كوسائل لتقويم السياسات العامة، لا لمتابعة الخدمات المحلية، وإعادة تعريف وظيفة النائب من ممثلٍ للمطالب المناطقية إلى مشرّعٍ للسياسات العامة، يعالج أسباب الخلل لا نتائجه.

علاوة على ذلك، لا بد من تحسين الانضباط المؤسسي، إذ إن معدل الغياب البالغ 12 نائبًا في الجلسة يُعد مؤشرًا على الحاجة إلى التزام أكبر بالحضور، لضمان استمرارية العمل النيابي الفعّال، كما يُنتظر من المجلس تعزيز ثقافة العمل الجماعي المنظم داخل الكتل واللجان، خاصة وأن التقرير أظهر تفاوتا في تبنّي المذكرات بين الكتل والنواب الأفراد، وهذا يضع أمام النواب تحديًا لتطوير آليات تنسيق داخلية تُحوّل الجهود الفردية إلى قوة اقتراح مؤسسية متماسكة.

إن واجب النواب في المرحلة المقبلة لا يقتصر على زيادة عدد الأسئلة أو الجلسات، بل على تحقيق كفاءة تشريعية تُقاس بالعائد المؤسسي على الدولة والمواطن، فالقيمة السياسية والاقتصادية للمجلس لا تُقاس بعدد الوثائق أو الجلسات، لكن بقدرته على تحسين بيئة الأعمال، ودعم الإصلاح الإداري، وتكريس مبدأ المساءلة الفاعلة.

وبناءً على ما ورد في تقرير راصد، فإن التحدي الحقيقي أمام النواب اليوم هو الانتقال من مرحلة “النشاط الكمي” إلى مرحلة “الأثر التشريعي النوعي”، ليصبح مجلس النواب أداة إصلاح حقيقية، توازن بين دوره الخدمي تجاه القواعد الشعبية ودوره الوطني في صياغة السياسات العامة وبناء التشريعات التي تُسهم في النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.

مقالات ذات صلة