هل يقود الاعتداء على قطر لسقوط حكومة نتنياهو؟

جواد بولس

حرير- شنت إسرائيل هجوما عسكريا على العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة اغتيال عدد من قادة حماس، اجتمعوا لمناقشة إمكانية التوصل إلى صفقة تبادل ممكنة مع الحكومة الإسرائيلية وحل مسألة المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين عند حماس، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين، ومطالب أخرى قدمتها حماس من خلال الوسطاء.

يشكل هذا الاعتداء السافر خرقا لجميع الأعراف والقوانين الدولية، ومسّا خطيرا بسيادة الدولة القطرية؛ كما أنه يضيف بيّنة جديدة حول عدم احترام حكومة نتنياهو لأصول التعامل بين الدول السيادية، لاسيما الدول التي كانت تحسب نفسها حصينة من الهمجية الإسرائيلية لكونها دولا صديقة لأمريكا، أو منضوية ضمن المعسكر الجيوسياسي نفسه، والمحمية بمنطق الأحلاف ووحدة المصالح الأمنية والاقتصادية الاستراتيجية.

تعاطت بعض المنصات الإعلامية مع عامل المفاجأة، الذي رافق الاعتداء على الدوحة، فادّعت بعضها أن إسرائيل أبلغت الإدارة الأمريكية بقرارها، حيث قامت الإدارة الأمريكية بإبلاغ القطريين بذلك. بينما نفى المسؤولون القطريون هذا النبأ مؤكّدين، أن التبليغ الأمريكي جاء خلال الغارة لا قبلها. أما إسرائيل من جهتها فأعلنت أنها أبلغت الإدارة الأمريكية، وهذه بدورها أبدت موافقتها، إلا أن الرئيس ترامب، بعد تصاعد ردود الفعل العربية والدولية ضد الاعتداء، صرّح بأن المسؤول الوحيد عن القرار كان نتنياهو. تندرج جميع تلك الأخبار ضمن منطق الدعاية والتضليل؛ وجميع مآلاتها ودوافعها لا تؤثر ولا تقلل من رعونة الاعتداء وخطورته، ومن أن إسرائيل لا تقيم حسابا لردود فعل الأنظمة العربية ولا لمواقف سائر الدول في العالم، طالما هي ضامنة لدعم إدارة الرئيس ترامب لسياساتها في المنطقة بشكل مطلق، كما تثبت الوقائع. لقد قامت الدول العربية بشجب العملية الإسرائيلية وبوصفها بأقسى العبارات، إلا أن نتنياهو لم يتردد بالرد عليهم جميعا، مشبّها الضربة الإسرائيلية في قطر بردّ أمريكا بعد حادثة 11 سبتمبر، ومتهما الدوحة بايواء ودعم حركة المقاومة الإسلامية حماس. لقد طالب نتنياهو جميع الدول التي تؤوي قادة وناشطي حماس «إما بطردهم أو بمحاكمتهم، وإلّا ستتولى إسرائيل ذلك»، كما انتقد مواقف الدول التي أدانت إسرائيل وطالبها «بدعم موقف إسرائيل ضد الإرهاب»؛ تهديد سيبقى ماثلا أمام جميع القادة العرب والدول الإسلامية الأخرى، إلى أن يجدوا الوسائل للتخلص مما يعطي إسرائيل القدرة على تهديد أنظمتهم واستقرارها.

قد يشعر المواطن العربي العادي بأنه ازاء فرصة تاريخية فريدة للتحرر من حالة اليأس والعجز والشعور بالمهانة والنكبة المستمرة، لكنني لا أرى أن هذه الفرصة ناجزة وحقيقية؛ فرغم وصف زعماء دول المنطقة الاعتداء على قطر بأنه تخطّ لجميع الخطوط الحمر، وبأنه خيانة وطعنة في الظهر، أراهن أن هذه الأنظمة لن تتجرأ على «قلب الطاولة»؛ وكل ردود الفعل التي سمعناها وسنسمعها تعكس عمليا عمق وحجم العلاقات السائدة بينهم وبين إسرائيل، وتأتي من باب المحبة والعتب «فعلى قدر المحبة العتب كبير»، كما قالت العرب قديما وغنت فيروز. إن التصعيد الذي لجأ إليه نتنياهو يخدم مصلحته الشخصية والسياسية، التي تتعمد إطالة الصراع في غزة، ونسف كل إمكانية لإنهائه. وهو يعرف أن قراره اغتيال قادة حماس داخل الأراضي القطرية يُعدّ مغامرة كبيرة، إلا أنها تبقى في حساباته خطوة موزونة ومأمونة العواقب، لأنه يعرف ما مصير الديباجات النارية التي «سيقذفها» القادة من على مقاعد القمة العربية المقبلة. ليس فقط نتنياهو يعرف كيف ستنتهي لقاءات الأخوة والأشقاء العرب، بل ويعرفها كل من اكتوى وخذل من لقاءات القمم العربية السابقة؛ «فنرفزات» هؤلاء القادة لن تفضي إلى فض شراكاتهم الاستراتيجية مع أمريكا وإسرائيل، ولا إلى نسف «المنجزات»، التي كانوا شركاء بتحقيقها، وشهدتها أحداث الشرق الجديد، خاصة بعد سقوط نظام الأسد وهزيمة حزب الله في لبنان، والمواجهة مع إيران، وتدمير غزة، وإحكام معسكر «إسرائيل الكبرى» سيطرته على مقاليد الحكم في إسرائيل. من اللافت أن المجتمع اليهودي في إسرائيل حافظ، بشكل عام، على هدوئه الحذر وترقب ما سيحدث. بين القطاعات الشعبية الواسعة شاعت علامات الرضى والفرح حتى الشماتة، ليس لأن هدف الضربة كان التخلص من «إرهابيين إسلاميين كبار»، كما تشيع حكومة نتنياهو، وحسب، بل لأن تلك القطاعات تعتبر قطر ذاتها جهة معادية، ودولة داعمة للإرهاب لا يمكن الوثوق بدورها في الصراع الإسرائيلي- الحمساوي، ولذا تستحق العقاب. بالمقابل برزت بعض الأصوات التي انتقدت العملية متهمة نتنياهو بتأجيج المنطقة كلها وبإمعانه في نسف كل احتمالات الحلول السياسية والسلمية مع الفلسطينيين وفي المنطقة.

لن ينكر عاقل أن حكومة نتنياهو تتعمد إحراج الأنظمة العربية، بوسائل جديدة وبأنماط أكثر استفزازا، كانت حكومات إسرائيل السابقة تمتنع عنها. ومن يسمع تصريحات القادة العرب هذه المرة يكاد يشعر بأنهم يعون ما يرمي إليه نتنياهو وحكومته؛ فلئن كانت الضربة، هذه المرة، موجهة مباشره إلى قطر، إلا أنها تشكّل ضربة مؤلمة تستهدف، مع ضربات أخرى، تفكيك قواعد العلاقات السائدة داخل هذا الحلف. إنها محاولة لفرض أسس جديدة من التعامل تكون فيها هيمنة القوة الاسرائيلية وقدراتها العسكرية، هي الناظم الأول والأساسي في ضبط معادلات المصالح وضمان دور «الفارس» «وحقه» في الركوب علنا ودون فذلكات دبلوماسية على ظهور الأنظمة العربية، وحماية مصالحها وتؤمن دورها «كضابط سلوك» دول هذه المنطقة. لا أحد يستطيع أن يراهن كيف ستنتهي هذه المواجهة، بعد أن دفعتها حكومة نتنياهو إلى العلن. لقد تفاوتت حدة ردود الفعل العربية وخلت من الالتزام الواضح بردود عينية. كانت جامعة الدول العربية، مرة اخرى، هي الملجأ الذي سيأوي إليه القادة، وقد تكون، مرة أخرى، هي «الكوّة» التي سيتنفس من خلالها جميع القادة العرب.

تبقى جميع الاحتمالات واردة، وبضمنها حسم الموقف من إيواء قادة وناشطي حماس، وضمن أي شروط والتزامات وقيود جديدة. لقد وردت تلميحات بهذا الخصوص ضمن تصريحات بعض قادة العرب. المشكلة، بالنسبة للزعماء العرب، أن حكومة نتنياهو لن تتوقف عن تنفيذ مآربها في المنطقة، ولن يرضيها قرار طرد قادة وناشطي حماس من أي بلد يسكنونه. فالقضية، ويقيني أن زعماء العرب بدأوا يستوعبونها، تكمن بضرورة الاتفاق على موقف موحد قادر على إجبار إسرائيل على وقف عدوانها على غزة، وإنهاء احتلالها للضفة الغربية، وإجبارها على قبول حل الدولتين. لقد كان رد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، قبل أيام في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، لافتا وواضحا. فهو بتصريحه أكد رفض المملكة اعتداءات الاحتلال الاسرائيلية في المنطقة، «وآخرها العدوان الغاشم على قطر» وأشار إلى أن الوضع «يتطلب تحركا عربيا وإسلاميا ودوليا لمواجهتها، واتخاذ إجراءات دولية لإيقاف سلطة الاحتلال وردعها عن ممارساتها الإجرامية في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها».

يعتقد البعض أن ضربة نتنياهو داخل قطر قد تعود عليه بريع سياسي آني، لكنها شكّلت أول الضربات التي ستؤدي في المستقبل القريب إلى سقوطه وسقوط حكومته والى وأد احلامه في إقامة إسرائيل الكبرى. هذا إذا فاقت أمة العرب واتعظ حكامها.

مقالات ذات صلة