
كيف يواجه الفلسطينيون خطة ترامب؟
محمد عايش
حرير- يواجه الفلسطينيون المرحلة الأسوأ والأكثر خطورة في تاريخهم الحديث على الإطلاق، ويتم تحويل شكل ومسار القضية الفلسطينية بشكل كامل، بل تجري إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بأكملها، ويتم تغيير كل القواعد التي كانت تحكم هذه المنطقة طيلة العقود السبعة الماضية، عبر استخدام القوة الإسرائيلية المفرطة، التي لم تتوقف على الأراضي الفلسطينية، وإنما تمتد إلى دول الجوار.
إسرائيل وبدعم أمريكي مباشر، تقوم بتغيير شكل المنطقة بالكامل، بما في ذلك تغيير الوقائع بشكل جذري على الأراضي الفلسطينية، وبما يجعل من المستحيل مستقبلاً إقامة دولة فلسطينية، أو بما يجعل أية دولة مقبلة غير قابلة للحياة.
وبينما يجري تغيير المنطقة بالكامل وتقوم إسرائيل بالتهام ما تستطيع من مناطق في الضفة الغربية وغزة والقدس المحتلة، فإن الفلسطينيين ما زالوا يفتقدون لمشروع وطني يجمعهم ويُشكل البوصلة لهم في التعاطي مع هذه المستجدات، فيما تبدو الفصائل – بما فيها منظمة التحرير وحركة فتح- أكثر عجزاً من أي وقت مضى، وليس لديها أجوبة على الكثير من الأسئلة الملحة. بعد أكثر من عامين على حرب الإبادة في غزة، والاجتياح الكامل للقطاع، والعمليات العسكرية اليومية في الضفة الغربية ولبنان وسوريا، فإن الفصائل والقوى الوطنية التي تُمثل الفلسطينيين لم تعقد ولو مؤتمراً واحداً أو اجتماعاً واحداً للتوافق على السياسات، أو وضع البرامج من أجل التعامل مع مستجدات الواقع الفلسطيني، بل إن خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة، التي تُعتبر المشروع الأخطر منذ ربع قرن، لا تعترف بوجود منظمة التحرير الفلسطينية، التي يعتبرها العالم ممثلاً للفلسطينيين، ولا تعترف بوجود السلطة الفلسطينية التي نشأت عن «اتفاق أوسلو»، بل تريد القفز عنها وتجاهلها، وتطرح فكرة «قوات دولية» في القطاع، ما يعني أن المشروع الأمريكي لا يريد إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، ولم يعد يعترف بالسلطة ولا بمنظمة التحرير، ما يُعيد إلى الأذهان مشروع «صفقة القرن»، الذي كان يتجاهل الفلسطينيين بالشكل نفسه والطريقة نفسها. يحتاج الفلسطينيون اليوم إلى مشروع وطني شامل وتوافقي وجامع، وهذا المشروع يستوجب ما يلي:
أولاً: على منظمة التحرير الفلسطينية، ومعها حركة فتح، الخروج من عباءة «السلطة الفلسطينية»، والعودة إلى مربع تمثيل الشعب الفلسطيني، بدلاً من الانشغال بإدارة الضفة الغربية، وتبعاً لذلك يجب أن يقوما بالدور الوطني المطلوب منهما، وهذا الدور يتمثل في عقد مؤتمر وطني فلسطيني شامل يضمن مشاركة الجميع، وينتهي إلى برنامج وطني شامل يُحدد كيفية التعامل مع مستجدات ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك نتائج الحرب على غزة.
ثانياً: على الشعب الفلسطيني أن يتوصل إلى إجابة عن سؤال «مستقبل السلطة الفلسطينية»، فقد تحولت هذه السلطة إلى مؤسسة مُعطِلة للمشروع الفلسطيني، كما تحولت إلى مؤسسة تقوم بإشغال المنظمة وحركة فتح والفصائل عن أي حركة. وهذه السلطة يجب التعامل معها على قاعدة أنها كانت خطوة في الطريق نحو الدولة الفلسطينية، ونحن اليوم عالقون عند هذه الخطوة منذ أكثر من ربع قرن، بل إن الأدهى من ذلك أن آخر لقاء فلسطيني إسرائيلي انعقد بين عباس وأولمرت قبل 15 عاماً، ومنذ ذلك الحين لا يوجد أي مسار سياسي من أجل التوصل إلى «الحل النهائي».
ثالثاً: على الفلسطينيين الاتفاق على برنامج للتعامل مع «خطة ترامب»، أو برنامج لليوم التالي في غزة، وهذا ما تحدثت عنه حركة حماس بوضوح في بيانها الذي وافقت فيه على مقترح ترامب لوقف إطلاق النار، عندما أكدت أنها لا تملك اتخاذ القرار في العديد من البنود الواردة في خطة ترامب، وإنما الأمر في يد الشعب الفلسطيني وفصائله وقواه السياسية وممثليه، الذين يجب أن يقرروا في ذلك. والمؤسف أن الفلسطينيين لم يجتمعوا ولم يتداولوا ولم يتخذوا أي قرار فيما ترغب الولايات المتحدة في تنفيذه بقطاع غزة.
رابعاً: ما دامت حماس تريد التخلي عن حُكم قطاع غزة، فيجب على الفلسطينيين دون غيرهم، أن يقرروا من سيحكم القطاع، وما شكل الحكم المقبل، وما مستقبل الحياة هناك، وهذا يستدعي تحركاً عاجلاً تشارك فيه الفصائل كافة، بما فيها حركتا حماس والجهاد، إلى جانب حركة فتح بطبيعة الحال.
خامساً: على فلسطينيي الخارج القيام بواجباتهم حيال ما يجري في الأراضي الفلسطينية، فليس معقولاً ولا مقبولاً أن يكون الفلسطيني في الدول العربية والأجنبية مجرد متابع لما يجري من على شاشات التلفزيون، وعليه فإن أي مؤتمر فلسطيني مقبل يجب أن يكون فلسطينيو الخارج جزءاً منه وممثلون فيه، ويجب أن يلتحموا في الحراك الوطني الفلسطيني.
وخلاصة القول هو أن الفلسطينيين بحاجة اليوم إلى مشروع وطني فلسطيني يجتمعون عليه، ويتضمن برنامجاً شاملاً يجيب على الأسئلة المصيرية التي تتعلق بمستقبل السلطة الفلسطينية، ومستقبل قطاع غزة، وكيفية التعامل مع خطة ترامب، وما إذا كان الفلسطينيون سيقبلون أم يرفضون، وجود قوات دولية على أراضيهم، وفي حال الموافقة فما هو الدور الذي ستلعبه هذه القوات، وما صلاحياتها.



