لبنان على مفترق حربَين… هل من مخرج؟

جيرار ديب

حرير- لطالما شكّلت معضلة “الدجاجة والبيضة” جدالاً واسعاً بين المعنيين، على اعتبار من كان أولاً، الدجاجة التي باضت البيضة، أم البيضة التي أتت بالدجاجة؟… على وقع أصداء هذه المعضلة تعيش الساحة اللبنانية معضلةً أخرى تتمثّل بالطرح الآتي: من أولاً، “سحب السلاح أم الانسحاب الإسرائيلي”؟… وأكّد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم (الثلاثاء الماضي)، أنهم لا يقبلون التخلّي التدريجي عن قوة الحزب في مقابل استمرار العدوان الاسرائيلي، معرباً، في الوقت نفسه، عن رفضه الضغوط الممارسة عليهم. وجاء كلام قاسم في كلمة متلفزة، تزامنت مع عقد الحكومة اللبنانية جلسةً لاتخاذ قرار حول آلية تنفيذ محتّمة لقضية نزع السلاح.

إشكالية تتوقّف عندها الساحة اللبنانية، التي تشهد إضافة إلى ذلك مشهدية الدرّاجات النارية المؤيّدة لحزب الله، رافعةً أعلام الحزب وإيران من دون أن ترفع أعلاماً لبنانية، وترفض البتّ أصلاً في موضوع السلاح، الذي يتناغم مع موقف وزير الخارجية الإيراني، عبّاس عراقجي، الرافض تسليم الحزب سلاحه. اعتبر طرف آخر موقف الحكومة الذي اتخذته في 7 أغسطس/ آب الجاري تاريخيّاً وبطوليّاً. “متناقضان” لا يلتقيان. هذه حالة اللبناني منذ تأسيس هذا البلد، الذي شهدت ساحته الداخلية دائماً انقساماً في المواقف، أدّت، في أحيان كثيرة، إلى اقتتال داخلي، منذ عام 1958، و”ميني” حرب أهلية، انقسم البلد بين الانضمام إلى حلف بغداد بقيادة أميركية، وتأييد الحركة الناصرية التي كانت تجتاح الشوارع العربية. وبعدها دخل لبنان فعلياً حرباً أهليةً دامت أكثر من 15 عاماً، كان الانقسام يومها على الهُويَّة والكينونة. وفي 7 مايو/ أيار 2008، عادت مشهدية “ميني” حرب أهلية على أساس تحجيم مدّ نفوذ الحزب عبر قطع شبكة اتصالاته في مناطق لبنان كافّة، هذا ما قرّرته حكومة فؤاد السنيورة في اجتماعها في 5 مايو من العام نفسه، فأيّ حرب سيشهدها لبنان في أغسطس 2025؟

يقف لبنان اليوم في مفترق حربَين، إذ لا تراجع للعهد، ومعه حكومة نوّاف سلام، أمام تهديدات الحزب وشارعه، فإن أيّ خطوة من هذا القبيل ستعرّض لبنان لحرب إسرائيلية جديدة. هذا ما أكّده الموفد الخاص الأميركي إلى لبنان، توماس برّاك، عندما رأى (في زيارته أخيراً لبيروت) ألا ضمانات أميركية من عودة تنفيذ إسرائيل ضرباتها، إذا لم يُتَّخذ قرار بتأييد ورقته التي عرضها على المسؤولين في لبنان، ولا يملك برّاك ضماناتٍ بشأن منع حرب أهلية جديدة، إن وافقت حكومة نواف سلام على المقترحات الأميركية، ورفض الحزب تسليم سلاحه. وللمطالبين بتسليم السلاح ذرائعهم التي بُنيت على أسس ميدانية، واعتبار أن سلاح الحزب في حرب الـ66 يوماً مع العدو لم يردع إسرائيل عن مسح مناطق وتدمير لبنان، مؤكّدين أن الحرب اليوم ستكون أكثر عدوانيةً، ولا سيّما إن التهديدات الإسرائيلية تطاول الدولة اللبنانية، أي إن قصف مطار بيروت أو مرفأ بيروت من المحتّمات في الحرب المقبلة. ليس هذا وحسب، بل هناك معادلة رسمتها السعودية، التي تربط إعادة إعمار ما تهدّم بضرورة تسليم السلاح، لأنّ المرحلة المقبلة، بحسب منظارها، مرحلة استقرار، لا الدخول في حروب اعتبرت عبثية، ولم تقدّم للقضية إلا دماراً في المنطقة.

قدّم الوفد السعودي الاستثماري، الذي زار دمشق في 23 الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، نموذجاً لأيّ لبنان سيكون إن دخل ضمن الموجة التي تُرسَم للمنطقة، وظهرت بعض خيوطها من خلال تجديد السعودية دعوتها، الصادرة عن مؤتمر حلّ الدولتَين (ترأسه المملكة بالاشتراك مع فرنسا)، إلى جميع الدول، من أجل تحقيق الأمن والسلم في المنطقة. في المقابل، يعتبر الحزب توقيت المطالبة بحصرية السلاح يخدم مصالح الولايات المتحدة والسعودية، كذلك يحقّق مطالب إسرائيل التوسّعية. يستند هذا الفريق الذي حاول تعطيل الجلسة، عبر خروج وزيري البيئة والصحّة المحسوبين عليه، إلى أن لا ضمانات ستُعطى للبنان في حال تسليم السلاح، ما دام الجيش اللبناني غير قادر على المواجهة الميدانية مع العدو، ووسط تطوّر ميداني في غزّة، تمثّل بموافقة “الكابينت” الإسرائيلي على مشروع نتنياهو احتلال كامل قطاع غزّة، الذي يؤكّد أن المنطقة دخلت فعلاً خطر التهديد الوجودي لكياناتها في حال تنفيذ المشروع الأميركي “الشرق الأوسط الجديد”.

لا يبدو أن الأمور ستذهب نحو التهدئة في لبنان، والأزمة حقيقية وعميقة، وقد لا يكون خروج منها إلا بحرب داخلية تعيد ترتيب موازين القوى. لكن هذا كلّه يتوقّف عند ما ستقدّمه المقاومة في غزّة من استنزاف للجيش الإسرائيلي ومنعه من تحقيق ما يريده نتنياهو، بحسب ما ذكر رئيس الأركان إيال زامير. حرب أو لا حرب، هي المعضلة الرئيسية العالق فيها لبنان، إلا أن الحرب قد تبقى بعيدة، رغم التهديدات المتزايدة، ما دامت قيادة حزب الله تدرك أن الانجرار في أي مواجهة داخلية أو خارجية هو الانتحار العسكري والسياسي معاً. لهذا، سيعتمد الحزب استراتيجيةً “انفتاحية” على الداخل، في انتظار ما ستؤول إليه المشهدية العامّة لغزّة والمنطقة.

مقالات ذات صلة