الأردنيون لا يريدون وعوداً مؤجلة من الحكومات.. نضال منصور

أكثر من صديق أبلغني أن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز كان موفقاً في عرض مواقفه ورؤيته خلال الحوار في برنامج “ستون دقيقة”. أكثر ما يميز الرزاز صراحته وصدقه في رواية الحقائق، وامتلاكه نسقاً فكرياً في تشخيص المشكلات وتقديم الحلول.

كل هذا لا ينقذ الرئيس أو الحكومة التي تواجه حالة استعصاء في إقناع الناس بجديتها بالإصلاح السياسي والاقتصادي، وكلمة السر في كل ما يحدث فقدان الثقة بالحكومات، وهذا ينسحب على حكومة الرزاز وفريقه الوزاري.
الناس في الأردن لا تريد وعوداً مؤجلة في الإصلاح والرفاه، فقد تعبت من كثرة الانتظار، وما قطفت خلال العقود الماضية سوى الوجع والتسويف، وأحلام لم تتحقق.
لن يقتنع الناس في بلادنا بأن عليهم المساهمة في ضريبة الدخل حتى ولو كانت دنانير معدودة يدفعها ثمناً لـ”أرجيلة” في مقهى، قبل أن تتحسن حياتهم، وتقدم له الحكومة خدمات عاجلة ومميزة في قطاعات متعددة أبرزها التعليم والصحة والنقل.
هذه هي المشكلة والعقدة التي تواجه حكومة عمر الرزاز، فالشعبية والتفاؤل التي حاز عليها من الشارع عند تكليفه برئاسة الحكومة على المحك الآن، وما دامت الظروف لا تسعفه بتأجيل طرح قانون ضريبة الدخل، وما دامت الأوضاع الاقتصادية ومتطلبات سداد المديونية تلزمه بمشروع قانون لا يحظى بتوافق شعبي فإن الحكومة اليوم أو غدا ستفقد الكثير من رصيدها، وستكون وجهاً لوجه أمام الناس الغاضبة.
الناس اعترضت على حكومة الملقي الراحلة حين تجاهلت مشاورتهم والنقاش معهم حول مشروع قانون ضريبة الدخل، واليوم يُطرد الفريق الوزاري في أكثر من محافظة وهو القادم للحوار مع المواطنين حول مشروع قانون الضريبة، ولا يُمكنوا من المناقشة والاستماع للملاحظات، فكيف يُفهم هذا الموقف؟!
الشيء المؤكد أن هذا السلوك والتصرف الذي لا نُقره ولا نوافق عليه يعبر عن الاحتجاج على سياسات التهميش التاريخية بحق المحافظات، فمن يرفع صوته مطالباً بخروج الوزراء من قاعة الاجتماع ليس بالضرورة أن يكون متضرراً من مشروع قانون الضريبة بشكل مباشر، غير أنه يحتج على حالة الإنكار لعقود لأوجاع الناس، والسياسات القائمة على “التنفيع” لرموز مجتمعية على حساب الغالبية، وقبل ذلك البطالة وانعدام عوائد التنمية في مجتمعاتهم.
لم تخطئ حكومة الرزاز حين أصرت على الذهاب للمحافظات وهي تعرف أن البضاعة التي تحملها لن تُشترى، فالرسالة التي أرادت التأكيد عليها أن من حق الناس أن تعرف، ومن واجب الحكومة أن تستمع لها، ومن حقها أن تعترض وتغضب حتى وإن خرجت عن قواعد المألوف، فهي وحدها منذ سنوات تدفع ثمن السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة.
حالة الإحباط في المحافظات لا يختلف الحال عنها في عمان، فأي خطوة مهما كانت تواجَه بالتشكيك وألف علامة استفهام، وهذا ما تعرض له لقاء الرئيس الرزاز مع مجموعة من النشطاء “الحراكيين” في بيت المحامي سائد كراجة. فاللقاء حسب علمي استكمال لحوار بدأ على هامش محاضرة الرزاز في الجامعة الأردنية، وهو ليس سرياً، واستضافته في بيت مواطن وليس في مكان عام، لا يعطي الحق والضوء الأخضر “للشيطنة” والتخوين وتوجيه لائحة اتهام للحاضرين.
الحراك ليس حزباً سياسياً حتى نفصل الأمور على مقاس معين، ولا يحتاج أي ناشط أن يأخذ الإذن من عموم الشعب الأردني ليجلس ويحاور رئيس حكومته.
ما فعله الرزاز بلقاء شباب وشابات من خارج “الصندوق الحكومي” تصرف يجب أن نشجعه وأن يتكرر ويتوسع، فهذه اللقاءات تتيح له سماع أصوات مخالفة ومختلفة.
التحدي الأول الذي يواجه الرزاز الآن أن يمرر قانون ضريبة الدخل، والتحدي الثاني أن يقدم البرنامج التنفيذي لحكومته “لعامين” لمساءلته على أساسه.
كنت أتمنى لو جاء عمر الرزاز في ظروف مختلفة لأحدث فرقاً، ولاقت أفكاره وحركته ومشروعه النهضوي قبولاً، وساندته رافعات مجتمعية أكثر حماساً، لكنه الآن رهين حصار اقتصادي وسياسي يكبله، فالأولوية للخبز ثم الخبز عند الناس.

مقالات ذات صلة