إيران وسيناريو نزع السلاح العراقي!

يحيى الكبيسي

حرير- لم يتوقع أحد النهاية الدراماتيكية للحرب الإيرانية الإسرائيلية؛ فقد اعتقد الجميع أن التدخل الأمريكي بقصف المنشآت النووية الإيرانية الحصينة، تحديدا في فوردو، سيدفع الإيرانيين إلى أحد خيارين إما الرد على الهجوم الأمريكي بقوة، مع ما يمكن أن ينتجه ذلك من تصعيد للصراع، أو التركيز على إسرائيل وجرها إلى حرب استنزاف مكلّفة ماديا ومعنويا، خصوصا أن الحياة تعطلت فعليا في إسرائيل تعطيلا، شبه كامل، بسبب الحرب.

لكن تسارع الأحداث بعد القصف الأمريكي، لاسيما بعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد في قطر، وإعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بعدها مباشرة، كشف عن ترتيبات مسبقة أدت إلى هذه النتيجة (ولم تكن إسرائيل بعيدة عنها) مع أن إسرائيل لم تحقق كل أهداف الحرب التي أعلنتها كما تدعي؛ فقد كانت لديها أهداف رئيسية أبرزها توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني، ولصناعة الصواريخ البالستية التي أثبتت قدرتها على التأثير، وإن كان ما وصل فعليا من هذه الصواريخ لا يتجاوز نسبة 17٪ من جملة ما أُطلق، وهدف أساسي آخر هو إجبار إيران على عدم استخدام وكلائها في لبنان والعراق واليمن لاستهداف إسرائيل مستقبلا (وهذا تحقق عندما لم تستخدم إيران، عمليا، أي طرف في توجيه ضربات، ولو رمزيا، الى إسرائيل طيلة أيام المواجهة) باالإضافة الى أهداف دعائية أخرى من بينها إسقاط النظام الإيراني. لكن، باستثناء الهدف الأول المتعلق بتدمير البرنامج النووي الإيراني، وإن لم يتبين حتى اللحظة حجم الضرر الفعلي الذي تعرض له هذا المشروع، فإن إسرائيل لم تحقق أيا من الأهداف الأخرى، وقد أثبتت فعليا أنها عاجزة عن تدمير مفاعل فوردو، وهي غير متأكدة من قدرتها على تدمير مفاعل نطنز، ما يؤكد أن ثمة اتفاقا مسبقا بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية على أن تقوم الأخيرة بتدمير هذين الهدفين في لحظة ما من المواجهة، وهو ما تحقق فعلا بعد 10 أيام من الحرب. كما أن إسرائيل كانت تعرف أنها غير قادرة عمليا على وقف خطر الصواريخ البالستية عبر القصف، حتى وإن تمكنت، مؤقتا، من تدمير المنصات التي تطلق تلك الصواريخ، أو المصانع والمخازن المتعلقة بها، وهي تعلم أن إيران ستستعيد قدرتها على انتاج المنصات والصواريخ بعد وقف الحرب مباشرة. أما فيما يتعلق بوكلاء إيران فإسرائيل تدرك أيضا أن حزب الله الذي تعرض إلى ضربة إسرائيلية قوية، كما تعرض إلى ضربة أكبر بقطع الطريق الواصلة بينه وبين إيران عبر سوريا، لا يزال يشكل خطرا عليها، وتجربة حرب عام 2006 دليل على أنه قادر على استيعاب الضربات وتجاوزها. ويبقى الحوثيون أيضا يشكلون خطرا مباشرا، سواء بسيطرتهم على باب المندب، أو من خلال صواريخهم البالستية وطائراتهم المسيرة، إلى جانب وكلاء إيران في العراق الذين يمثلون، أيضا، قلقا للإسرائيليين، ولو بنسبة أقل بسبب قدرة الولايات المتحدة على الضغط على «عرابي» هؤلاء الوكلاء من القوى السياسية العراقية!

لهذا كله ستسعى الولايات المتحدة إلى ضمان تحقيق هذه الأهداف عبر المفاوضات، وعبر أوراق الضغط الأخرى من بينها العقوبات الاقتصادية، وهو ما يعيدنا إلى السيناريو العراقي عام 1992؛ فبعد نهاية حرب تحرير الكويت، ومباحثات وقف إطلاق النار التي جرت في صفوان، كانت القيادة العراقية تعتقد أن مجرد بقاء النظام السياسي، وتمكنه من فرض سيطرته العسكرية على المناطق التي تمردت ضده في الجنوب والشمال، سيمكنه من إعادة ما تدمر بفعل الحرب، تحديدا فيما يتعلق بالصناعات العسكرية، لكن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأروبيين، تحديدا بريطانيا، تمكنوا من استخدام مجلس الأمن لتدمير ما لم تدمره الحرب!

فبعد وقف إطلاق النار مباشرة صدر القرار رقم 686 في 2 آذار/ مارس 1991، تضمن الالتزامات التي على العراق القيام بها، ولم يتضمن أي محددات على برامج الأسلحة العراقية، لكن بعد شهر واحد فقط صدر القرار 687 الذي تضمن تدمير كل ما لم تستطع أن تدمره الحرب، فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو برنامج الصواريخ البالستية!

حيث نص القرار على أن يقبل العراق (دون أي شرط وتحت إشراف دولي) القيام بتدمير جميع القذائف التسيارية [الصواريخ البالستية] التي يزيد مداها عن مائة وخمسين كيلومترا والقطع الرئيسية المتصلة بها، ومرافق إصلاحها وإنتاجها، وأن يوافق على عدم حيازة أو إنتاج أسلحة نووية أو مواد يمكن استعمالها لإنتاج الأسلحة النووية أو أي منظومات فرعية أو مكونات، أو تطوير ودعم أي مرافق بحث أو تصنيع تتصل بما ذكر، وأن يخضع جميع ما لديه من مواد يمكن استعمالها في الأسلحة النووية، للرقابة الحصرية للوكالة كي تقوم بتدميرها أو إزالتها أو جعلها عديمة الضرر حسب الاقتضاء!

بالتأكيد ثمة فارق كبير من الناحية القانونية والنظرية بين قرارات يتخذها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، واشتراطات يضعها الجانبان الأمريكي والإسرائيلي، لكن العلاقات الدولية لا تقوم على أساس القانون فقط، بل على أساس القوة أيضا! لذلك ستستخدم الولايات المتحدة ورقة العقوبات، وورقة التهديد المستمر بالقصف لضمان تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من شروط التفاوض مع إيران، سواء فيما يتعلق بالتخصيب الذي كان العقبة الرئيسية في مفاوضات مسقط/ عمان، أو فيما يتعلق بملف الصواريخ البالستية التي لم يعد مجرد شرط إسرائيلي بل تحول إلى شرط أمريكي/ أوروبي أيضا، فقد كان موضوع أنشطة الصواريخ البالستية الإيرانية حاضرا في «عرض التفاوض الشامل» الذي قدمته الترويكا الأوروبية لإيران في الأسبوع الماضي (لا يمكن تجاوز تصريحات الرئيس الفرنسي عن الصواريخ الإيرانية التي يمكنها الوصول إلى فرنسا).

وتبدو قدرة إيران على الرفض أو المناورة، محدودة للغاية (بعيدا عن احتفالات النصر) لاسيما بعد تحييد وكلائها في المنطقة (بالتأكيد سيكون تمويل الجماعات حاضرا في أي مفاوضات مستقبلية) وبعد أن أصبحت مجالها الجوي مساحة طيران حر للأمريكيين والإسرائيليين، وثبت أنها مخترقة استخباريا بشكل غير مسبوق، ما يجعل السيناريو العراقي بتدمير ما لم تدمره الحرب، قابلا للتكرار وإن بشروط أقل!

مقالات ذات صلة