على إيران تغيير موقفها من الدول العربية

أحمد عويدات

حرير- المتابع لتطور الأحداث وللسياسة الإيرانية على الأقل منذ عقد من الزمن في المنطقة ينحى باللائمة على القيادة الإيرانية لأسبابٍ عديدة أبرزها تدخلها بالشؤون الداخلية لدول المنطقة من خلال أذرعتها، وسيطرتها على سوريا من خلال دعم نظام المجرم بشار الأسد ضد الشعب السوري، ومحاولة إحكام القبضة من خلال حزب الله على قرار وسلطة لبنان عبر استغلال مقاومة الاحتلال الصهيوني في الجنوب اللبناني ، ودعمها المستمر للحوثيين، وتأسيس ودعم المليشيات العراقية مثل «الحشد الشعبي» و»الزينبيون» و»الفاطميون» و»عصائب الحق» وغيرهم، والتي فعلتها بالعراقيين أولاً والسوريين ثانيا.

وبدت إيران في تلك الصورة داعمة لأنظمة الاستبداد والديكتاتورية، وتدمير مجتمعات المنطقة بزرعها للمذهبية والطائفية، وما اصطلح على تسميته «تشييع المجتمع». الصورة الوحيدة الناصعة التي تشفع لتدخلات القيادة الإيرانية هي دعم حركات المقاومة الفلسطينية، ورفعها شعارات تعبر عن أهداف استراتيجية في القضاء على دولة الاحتلال ومقاومة الصهيونية والإمبريالية الأمريكية، وهذا ما شكل تناقضاً صارخاً بين الصورتين، وهذا بدوره أدى إلى هذا الانقسام الحاد في المواقف تجاه إيران في عدوان دولة الاحتلال الإسرائيلي عليها واغتيال قادتها وعلمائها النوويين.

فالبعض رأى أن ما ترفعه إيران من شعارات ومواقف إنما هو لتسويق نفسها فقط، ولا يمت بصلة لحقيقة الدور الإيراني في زعزعة المجتمعات العربية والدفاع عن مصالحها ونشر مشروعها واحتواء حركات المقاومة وتوريطها بحروب خاسرة، مثل ما حدث ضد الثورة والشعب السوري، وما حدث مع حزب الله من خلال توريطه في أحداث سوريا، وفي سلب قراره في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، والطلب منه المحافظة على قواعد الاشتباك في مواجهته للكيان إسناداً لغزة وليس مشاركةً.

وبهذه المواقف المناوئة، رأى البعض في إيران عدواً، بل العدو الأول للشعوب العربية والإسلامية، بينما البعض الآخر نعت قادتها ممن اغتالهم الموساد بأعتى الأوصاف، واعتبر آخرون أن الوقوف مع المعتدي بمثابة عدوانٍ جديدٍ على الضحايا وتبرأته من دمهم.

ونسي هؤلاء العدو الأول الذي يهدد وجودنا كشعوب وأوطان، ويسعى لتنفيذ مخططه الشرق أوسطي التوسعي الذي طالما تحدث به مجرم الحرب نتنياهو وحلفاؤه من اليمين الديني المتطرف.

ونسي هؤلاء المكلومين والثكالى والمجروحين جرحا عميقاً، أن ضرب إيران إنما هو حلقة من حلقات هذا المخطط الاستراتيجي التوسعي الاستعماري الإمبريالي، والذي يسعى إلى إنهاء إيران كقوة إقليمية دون برنامج نووي أو سلاح نووي، يحكمها نظام مرتبط بالدوائر الغربية والأمريكية، ويشكل جسراً لتهديد دول شرق آسيا مثل الصين والباكستان، والتحكم بطرق التجارة العالمية، وإحكام السيطرة أكثر على قرار دول الخليج العربي والمنطقة، والتفرد بالمنطقة كقوةٍ إقليمية وحيدة لا تنازعها إيران أو تركيا، وإعادة هيبة وسطوة الكيان الإسرائيلي مجدداً ولجيشه المهزوم كذراعٍ ضاربة وحيدة في المنطقة أمام الغرب الحليف، بعدما أُغرقَ في رمال غزة بفعل صمود الغزاويين والمقاومة لأكثر من 21 شهراً في مواجهة حرب الإبادة والحصار والتجويع والتطهير العرقي.

وذهب كثيرون إلى القول، أنه كان الأجدر بالقيادة الإيرانية الاستفادة من دروس الماضي أثناء حربها مع العراق الشقيق، ومشاركتها في إسقاط نظامه، ونشر الطائفية، والاستفادة الأكثر من تجربتها مع حزب الله الذي رهنته لسياستها الرعناء المتهورة، والتي أفضت إلى القضاء على قياداته وقدراته وإضعاف دوره السياسي في لبنان، فحدث أن «أُكلتُ يوم أُكلَ الثور الأبيض».

وكان حرياً بالقيادة الإيرانية عدم الارتهان لسياسة «العصا والجزرة « الأمريكية للمساومة على برنامجها النووي، وبالتالي الدخول في دهاليز الألعاب والتصاريح والمناورة الأمريكية التي دأب عليها رئيس الإدارة الأمريكية ترامب مراراً وتكراراً خاصة في أيامنا هذه، والذي أصر على «استسلام إيران بلا شروط» مؤخراً. وكان على القيادة الإيرانية – لتعيد الثقة بشعاراتها وأهدافها المعلنة – أن تدفع حزب الله وأذرعها الأخرى للمشاركة الفعلية في مواجهة العدوان الإجرامي على غزة، بدلاً من الإبقاء على مجرد إسناد غزة، لأن في مشاركتهم قلباً لموازين القوى، مثلما قال رئيس الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال غيورا آيلاند: «لو أن حزب الله دخل الحرب في السابع من أكتوبر لكان التقى مع حماس في تل أبيب».

وفي السياق ذاته، لا يُعقل أن القيادة الإيرانية لم تدرك أن الحرب عليها هي حرب استراتيجية في الفكر الإسرائيلي، وليست حرب نتنياهو فحسب، الذي كان يخطط لها منذ نحو 20 عاماً، إنما يسعى شخصياً للظفر بها ليسجل له ذلك في التاريخ الإسرائيلي؛ بما يمثله في هذا من آراء وأفكار لكافة الأطياف الإسرائيلية يمينية أو دينية متطرفة أو معارضة.

وعليه، فإن القيادة الإيرانية أمام هذا الخطر الكبير كان لزاماً عليها تحصين جبهتها الداخلية من العملاء والجواسيس والمتعاونين مع الموساد، وإجراء إصلاحات داخلية لتفويت الفرصة على المتربصين بالدولة. وبدلاً من التدخل في شؤون دول المنطقة، كان يجب العمل على إرساء علاقات تقوم على احترام متبادل لسيادة الدول وحرية شعوبها، والعمل على إقامة مشاريع تنموية تخدم مصالحها ومصالح هذه الدول، لا أن تذهب بعيداً في مشروعها المذهبي التقسيمي الذي يصب في نهاية المطاف بما يسعى إليه الكيان الصهيوني من تفتيت وتمزيق للمجتمع العربي والإقليمي المحيط.

وكان حرياً بها المحافظة على دور حزب الله في مواجهته للعدو الأول «إسرائيل»، لا أن يدخله دعمها في حربٍ ضد الثورة السورية وتوجيه بنادقه إلى صدور الشعب السوري دعماً لنظام الإجرام بشار الأسد والمشاركة في مجازره. كذلك كان المطلوب ألا تحصر إيران دعمها لبعض الفصائل الفلسطينية بمدى ولائها ووقوفها إلى جانب النظام الديكتاتوري البائد، وكأن «الطريق إلى القدس يجب أن يمر عبر طهران». كما أن البعض تمنى لو أن إيران عملت على إصلاح ذات البين في اليمن وجمعت الفرقاء على وحدة بلادهم بعيداً عن الميليشياوية والطائفية. وكذلك الأمر ذاته في العراق الذي تسيطر عليه المليشيات الطائفية.

وبالرغم من كل ذلك، فإن تحسس الخطر القادم الناتج عن ضرب إيران وبرنامجها النووي، وبناها التحتية، وقتل علمائها، وتدمير اقتصادها، والعمل على إسقاط نظامها؛ تمهيداً لبسط الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية على المنطقة، كل هذا يُحتّم على أحرار الأمة ومثقفيها وأحزابها وحركاتها الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني، والانحياز إلى إيران الوطن، والوقوف ضد هذا العدوان الاستعماري الغاشم. وليتذكر الجميع ان إيران حفرت في ذاكرتنا صور الدمار الهائل في المدن الفلسطينية المحتلة؛ المشهد الذي لم نشاهده منذ نكبة 48، فتألم الإسرائيليون كما تألم أهلنا في غزة، وعاشوا ويلات الدمار والموت والخوف والهلع كما عاشها أطفال ونساء غزة، وقضوا ليالٍ وساعاتٍ طوال في ملاجئ الرعب هرباً من الصواريخ الإيرانية؛ ولربما يكون ذلك مدعاةً لوقف الحرب الإجرامية على غزة.

والحال هكذا، المطلوب الكف عن كل الدعوات الانتقامية والثأرية، ولنبدأ بتضميد الجراح ووأد الفتن والالتفات إلى العدو المشترك. ويبقى القول إن اختلفنا مع الأشقاء أو الأصدقاء أو الحلفاء، لا ينبغي أن نهلل ونصفق للأعداء؛ بل علينا توجيه كل الجهود لمواجهة العدو المعتدي الذي يهدد وجودنا ومستقبل أطفالنا وأوطاننا. ويبقى الخيار الوحيد إما أن نكون مع المقاومة أو مع المحتل الصهيوني الغاصب.

مقالات ذات صلة