
هكذا فشل مشروع التهجير الإسرائيلي
محمد عايش
حرير- لا شك أن مشروع التهجير الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومعه حليفه الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد فشل، وهذا يؤكد أن صمود الفلسطينيين قادر على إفشال الكثير من المشاريع، التي يُراد تمريرها، كما أن أي سيناريو يتم فرضه بالقوة على الفلسطينيين، لا يُمكن أن يمر، كما لا يُمكن القفز على الشعب الفلسطيني والتعامل معه على أنه غير موجود. الحُكم بالفشل على مشروع التهجير جاء عبر تحقيق صحافي إسرائيلي انتهى إلى هذه النتيجة، والتحقيق أجرته المراسلة الإسرائيلية نوريت يوحنان، وتم نشره في موقع «زمان إسرائيل»، حيث خلص التحقيق إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي فشلت طوال الشهرين الماضيين في تنفيذ الخطة، كما فشلت في إقناع أية أعداد تُذكر، أو أعداد مؤثرة في الهجرة أو دفعهم لها، وذلك على الرغم من التسهيلات التي قدمتها في هذا الاتجاه.
ويقول التحقيق إن إسرائيل تحدثت كثيراً خلال الشهرين الماضيين عن التهجير وعن تسيير رحلات جوية عبر مطار الرامون الإسرائيلي القريب من غزة، لتهجير فلسطينيين إلى الخارج، كما أن وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل تحدث عن 16 رحلة جوية غادرت من مطار الرامون، وعلى متنها فلسطينيون هاربون من غزة وقد قرروا أنهم لن يعودوا إليها.
لكنَّ التحقيق كشف الرقم الأهم في كل هذه المعمعة، وهو عدد الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم بالفعل منذ الإعلان عن هذا المشروع وحتى الآن، حيث تبين أنَّ الذين غادروا القطاع هم 600 فلسطيني فقط، وهذا الرقم يكاد يؤول إلى الصفر، أو أنه لا يُذكر مطلقاً إذا ما قورن بنحو مليوني شخص يسكنون القطاع، أو على الأقل إذا ما قورن بالهدف الذي وضعه ترامب، وأعلن عنه من البيت الأبيض، وهو تهجير مليون ونصف المليون فلسطيني من القطاع. التحقيق الصحافي الإسرائيلي ذاتُه أجرى مقارنة مثيرة تتعلق بحركة الفلسطينيين، حيث يقول إن 103 آلاف فلسطيني، غادروا قطاع غزة عبر معبر رفح في بداية الحرب، وتحديداً خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحتى مايو/أيار 2024، وهؤلاء الذين غادروا طوعاً وبشكل مؤقت ودون أي مشروع للتهجير، وأغلب هؤلاء إما قرروا المغادرة لحين انتهاء الحرب، أو أنه أصلاً يرتبط بمصالح في الخارج مثل المقيمين في دول أخرى أو يحتاجون لتلقي العلاج في الخارج. وهذا معناه أن هناك نسبة كبيرة من الفلسطينيين قرروا التمسك ببقائهم في القطاع، بعد الإعلان عن مشروع التهجير خوفاً من أن لا يتمكنوا من العودة إلى غزة، أي أن التهجير لم يفشل فقط، وإنما انتهى إلى نتيجة عكسية، بأن حرص الكثيرون على البقاء والتمترس في أراضيهم ومقارعة الاحتلال عبر البقاء فيها! كما يلفت التحقيق الصحافي الإسرائيلي إلى أن الذين غادروا القطاع خلال وقف إطلاق النار الثاني، أي بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2025 هم 4259 فلسطينياً فقط، وهؤلاء من الجرحى والمصابين والمرضى أصحاب الحالات الحرجة الذين غادروا وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار من أجل تلقي العلاج في الخارج، فيما لم يحاول فلسطينيون آخرون مغادرة القطاع، أو الهروب للخارج خلال فترة وقف إطلاق النار المؤقت.
ما نشاهده في غزة هو، أنه على الرغم من سياسة «الأرض المحروقة» التي ينتهجها الاحتلال، وسياسة التجويع، والعقاب الجماعي الذي يتم إنزاله على الناس عبر القصف العشوائي، إلا أن مشروع التهجير وتفريغ القطاع من سكانه، فشل فشلاً ذريعاً، ولم يجد أي تجاوب في أوساط السكان.. هؤلاء السكان الذين يُفضلون العيش على أطلال منازلهم المهدمة دون أي مقوم من مقومات الحياة، على أن يُهاجروا إلى الخارج ويبدؤوا رحلة لجوء جديدة. أما السبب وراء فشل مشروع التهجير فهو أن الفلسطينيين ليسوا حديثي عهد بذلك، فقد جربوا الهجرة واللجوء والمنافي من قبل وذاقوا مرارة الغربة، ولذلك فإن الضمير الجمعي للفلسطينيين اليوم يقول، إن الموت تحت القصف داخل غزة أفضل بكثير من الحياة لاجئاً في أجمل بلاد الكون.