الطبقة المستغِلة … والطبقة المستغَلة!… م. هاشم نايل المجالي

الإنسان في وطنه يصنع ثقافته ويطور حضارته ضمن صراعين متداخلين صراع مع قدراته في استثمار ما امكن من ثروات وطنه من خلال الجهات المعنية او القطاع الخاص والاهلي كذلك استثمار الطبيعة لتلبية احتياجاته واشباع رغباته.
والصراع الثاني هو الصراع الطبقي الاجتماعي بظهور الطبقة المستغِلة ( بكسر الغين ) والطبقة المستغَلة ( بفتح الغين ) وهي ذات الاكثرية في المجتمع، حيث ان الطبقة الاولى من خلال المحسوبيات والمصالح المتبادلة والمنافع المشتركة تسعى لان تفرض ابجدياتها وتفرض ذهنياتها لتحقيق مصالحها ومكتسباتها، وهي ثقافة اقرب الى الفرض الفوقي منه الى الديمقراطية التشاركية في اتخاذ القرار.
ونتيجة لهذا الصراع ظهرت في المجتمع تحالفات وقوى معارضة وانفلات اعلامي ولغوي في ظل العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي واصبح هناك تحالفات وتجمعات وتحريض ودعوات للاعتصامات، هذا الصراع الذي تبدأ شرارته في مدى تغول الطبقة الفوقية على الطبقات الادنى مما يعطي مؤشرات سلبية تستدعي اعادة بناء استراتيجية وطنية مبنية على العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية حتى تتطور الثقافة والحضارة في المجتمع، وحتى لا يتحول المجتمع ايضاً الى فرز فئات صدامية عنفية بلطجية وتتاجر في المحظورات ومنها ما ينحرف فكرياً مع مجموعات ارهابية.
وما هذه الظواهر الا انعكاس حقيقي لذلك الصراع الطبقي المبني على الحقد والكراهية في مجتمع التكافل والتضامن في مجتمع السلم والمحبة والولاء والانتماء، لا ان نجد ابن الوطن هو من يعمل على هدم الوطن بانحرافه مع تنظيمات ارهابية فيصبح مجرماً بحق ابناء عمومته ووطنه.
فاننا نجد ان المجتمع اصبح مقسماً الى مجتمعات كل واحد منها له ذهنيته الخاصة به من خلال الظواهر الحياتية والاجتماعية وانماط من الاساليب والسلوكيات المختلفة، خاصة في ظل الانهيار او الضعف الاقتصادي والصعوبات المعيشية وتفشي ظاهرة الفقر وازدياد نسبة البطالة وتفشي الفساد بانواعه مما جعل هناك من يستغل ذلك، وتجنيد الشباب في المحظورات والمحرمات ويبني شبكة من العلاقات تسهل وتيسر اموره على حساب اقتصاد وابناء الوطن.
فهذه ثقافة رجعية لوجود من يغذي الذهنيات بالسلبيات ليصبح العقل مقفلاً على نمط واحد يحقق للفرد مكتسباته وشهواته وهذه ثقافة غير متناسقة بين المجتمعات التي اصبحت متباينة بين الايجابيات والسلبيات والخاملة واصبح هناك الكثير من ابناء الوطن في حيرة من امره ليدور في دوامات متناقضة عبر مستنقعات الفساد والركود والتخلف فاقد للوعي والحس الوطني وفاقداً لمؤشر الدافعية نحو الاصلاح والتغيير نحو الافضل.
لتصبح مجتمعات تعيد انتاج التخلف وتعزز الانحراف لابنائه، ولهذا كله اسباب منها ثقافة محاربة الفقر والبطالة بالبلطجة والانحراف والجهل والعنف والنهب والسلب في غياب تام للعقول الصاحية على ذلك المكتفية بالتنظير.
فأين الالسن الفصيحة واين استبانة المعارف حتى ان غالبية العاطلين عن العمل والذين انحرفوا هم من اصحاب الشهادات والمتعلمين الذي كان بالامكان استغلالهم واستثمارهم لخدمة وطنهم بدل ان تستغلهم المنظمات الارهابية.
فلا يجوز الطغيان على العقول النيرة والمبدعة والمتعلمة لان ذلك يؤدي الى تمردها، ولا يجوز فرض ثقافة القطيع على شعب مثقف ويفهم الامور على حقيقتها ولديه حرية التفكير والتحليل في عالم اصبح قرية، فهناك ايضاً من ينوره على كثير من الامور ولم يعد هناك مجال لتخويف العقل من التفكير او التعبير فلا بد لحركة الحياة ان تسير دون الاستسلام للقضاء والقدر حتى لا يكون هناك تدهور اقتصادي او صراع مجتمعي او انحطاط ثقافي او ان يعيش المجتمع في اوهام ولا ان تخضع العقلانية ضحية ذلك كله.
فلا بد من فتح حوار وطني يفتح مسلكاً للتغيير والاصلاح الحقيقي نحو الافضل لا حوار نحو الخصومة عندما يختلف مواطن معتدل مع مواطن متعصب او منحرف ولا بين موالي ومعارض ولا بين الحلال والحرام او انكشاف الاسرار حتى لا تكون المجتمعات خاملة ومستهلكة منتجة للتخلف وحاضنة لبيئة الفساد معيقة للتطور.
فعلينا ان نستفيد من التجارب والدروس والعبر التي مرت بها الدول المجاورة ولا بد من تعزيز الولاء والانتماء وبصناعة ثقافة التغيير التشاركي والاختياري قبل ان تفرض الحكومة ما تريد ان تفرضه على المواطن من قوانين وانظمة وتشريعات فلقد وصل المواطن الى اقسى درجة الكسر المعيشي ليتحول الى منحرف او متسول او معارض.
ولا بد من نهضة فكرية مجتمعية للقيادات الوطنية لاصلاح كل الانحرافات لتواكب الاصلاح والتغيير الامثل ووفق كل الاساليب التي تغذي صراع الطبقات ومظاهر البرجزة والبذخ في ظل الظروف التي يعاني منها الوطن والشعب نتيجة المتغيرات الداخلية والمحيطة والاقليمية.
حمى الله هذا الوطن وأمنه واستقراره في ظل قيادته الهاشمية الحكيمة.

مقالات ذات صلة