
ما الدوافع وراء المفاوضات الأمريكية الإيرانية؟
د. مثنى عبد الله
حرير- لبضعة أسابيع خلت كانت التهديدات بين واشنطن وطهران على أشدها، لكن خلافا لتلك الأجواء استغل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي، ليعلن عن محادثات أمريكية مع إيران حول ملفها النووي. وقد عدّ البعض هذا الإعلان، مفاجأة من العيار الثقيل، لكن الحقيقة أنه ليس كذلك، فالحوار بين الطرفين بدأ منذ الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وتواصلت إيران مع بعض أعضاء فريقه واستمر التواصل بينهما.
صحيح أن ترامب هدد إيران وما زال، لكنه سبق أن قال بشكل واضح (إن التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة ستدمر إيران بالتعاون مع إسرائيل مُبالغ فيها لأقصى حد)، ليرد عليه المرشد الأعلى بالقول (ليس من الفطنة، أو الحكمة إجراء محادثات مع الولايات المتحدة)، لكنه تجنّب وضع فيتو على فعل ذلك. ويبدو واضحا أن إدارة ترامب كانت تبحث عن مسار آخر، مسار لا يعتمد الخيار العسكري، وأيضا مسار لا يعتمد ترك الأمور على ما هي عليه، بل مسار ثالث وهو فتح باب التفاوض مع طهران.
وكانت رسالة ترامب إلى المرشد الأعلى، ثم رد المرشد عليها، تعبيرا عن تحضير لعملية المفاوضات.. وهنا لا بد من القول إن قطر وتركيا وعُمان استخدموا دبلوماسيتهم الصامتة بالدفع نحو خيار فتح حوار بين واشنطن وطهران، منطلقين من حرصهم على تهدئة الأوضاع السائدة في المنطقة.
إن الوقائع على الأرض تشير إلى أنه لا بد من الجنوح إلى المفاوضات بالنسبة للطرفين، فإيران تُدرك تماما أن أوضاعها الداخلية والإقليمية، ليست كما كانت عليه في عام 2012 و2015. كما أنها خسرت كثيرا من دورها الإقليمي وباتت أضعف إقليميا مما كانت عليه. بالتالي استثمرت الولايات المتحدة هذا الظرف، لأنه يشكل نقطة قوة بالنسبة لأمريكا. كما أن موضوع الخيار العسكري بالنسبة لواشنطن ليس مضمونا، لأن الكل يُجمع بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على أن مسألة تصفية البرنامج النووي الإيراني تكاد تكون مستحيلة، بسبب التشتت الجغرافي للمنشآت النووية الإيرانية، لذلك لا معنى لضربة عسكرية مع بقاء المنشآت النووية. على العكس من ذلك فالضربة ستكون عامل توتير وعنصرا فاعلا في إدامة الصراع، أما النقطة الأخرى في هذا المجال فهي مرتبطة بالوضع الإقليمي، وهي لماذا الإبقاء على نقطة توتر في المنطقة، إذا كان بإمكانك أن تطفئها وتحل المشكلة. فإذا كانت الإدارة الديمقراطية أيام الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما قد تفاوضت مع الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، وهو الأقرب إلى المرشد الأعلى، فلماذا لا يتم التفاوض الآن بين رئيس أمريكي جمهوري، لديه شعبية كبيرة في الولايات المتحدة وهو شعبوي جدا، مع رئيس إيراني أقرب إلى التيار الإصلاحي؟ إذن الظروف مُهيأة بشكل أفضل من مفاوضات الأعوام 2012 – 2015، وهذا ساعد إدارة ترامب في الذهاب إلى هذا الخيار.
أما لماذا يقول ترامب المفاوضات مباشرة، وتقول إيران إن المفاوضات غير مباشرة، فهذا جانب آخر من جوانب الخلافات بين الطرفين. الجانب الإيراني يصر على أن المفاوضات غير مباشرة، بسبب ما يصفونه بالتهديدات الأمريكية المستمرة ضدهم، كما تضيف طهران إلى هذا السبب سببا آخر فتقول، إن تجربتها مع ترامب في الاتفاق النووي السابق، سيئة حيث تخلى عن الاتفاق. وهذا ما عبر عنه وزير خارجيتها عباس عراقجي، حين وصف المفاوضات في عُمان بأنها فرصة بقدر ما هي اختبار، وأن الكرة في ملعب واشنطن. أما ترامب فيريدها مباشرة لأنه يعتقد أن الأمور تتطور بسرعة، وهو يحب عنصر المفاجأة. ولأن شعاره «أمريكا أولا» فهو يعتقد أنه هو من يفرض الشروط، ويحدد إن كانت المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، ولذلك وضع كل الأسلحة على الطاولة حين نقل طائرات بي 2 وعدد من حاملات الطائرات إلى المنطقة، فيما قال أوباما في المفاوضات مع إيران، إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، ولم يُحرّك قواته إلى المنطقة، لكن لماذا انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وعاد اليوم يتحدث عن ضرورة التفاوض على اتفاق جديد؟
يعتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن كل شيء قد تغير ما بين ولايته الأولى والثانية. هو يرى أن منطقة الشرق الأوسط قد تغيرت تغيرا جذريا. كما أنه يشعر بأن لديه الآن تفويضا كاملا بأن يفعل كل ما يريده، لأنه فاز بالتصويت الشعبي في الولايات المتحدة، وهو يُصر على التذكير بأنه فاز بتصويت الولايات المتأرجحة السبع، بالإضافة إلى أنه بات أكثر خبرة ومُخضرما في إدارة شؤون البلاد والعالم أيضا، بالتالي هو يرى أنه قادر على فرض سطوته وتنفيذ رغباته. وبما أنه كان يعتقد أن الاتفاق النووي مع إيران كان هو الأسوأ، وبما أنه ينظر إلى نفسه على أنه رجل الصفقات، وأنه يفضل الصفقة على الحرب، وهنالك من حوله من يذهبون إلى ما ذهب إليه، إذن إبرام الصفقات هو ما يضبط وزن هذه اللعبة في التعامل مع هذه المعضلة، خاصة أنه يعلم تماما أن طهران حريصة كل الحرص على عدم الصدام العسكري مع واشنطن، لأنها تعلم جيدا ماذا ستكون مُخرجاته على مستقبل إيران، هي تريد حلا دبلوماسيا، قد تقبل بالإبقاء على برنامجها النووي في حالة تجميد مع مراقبة دولية مُشددة، من جهته ترامب لا يحبذ الحروب الطويلة، خاصة أن مصالح حلفائه في منطقة الشرق الأوسط سوف تتضرر إلى درجة كبيرة، إذا ما قعت الحرب مع إيران. يقينا ستكون المفاوضات صعبة نظرا لمطالب الحد الأقصى الأمريكية، التي لخّصها مسؤول إيراني بأن ترامب يريد إنهاء نفوذ إيران في المنطقة، وتفكيك برنامجها النووي، ووقف أنشطتها الصاروخية، وهذه أمور غير مقبولة كما قال، لكنه نسي أن ترامب يبحث عن امتيازات تجارية تجاهلتها إيران سابقا، وتطرق لها مستشار المرشد الأعلى علي لارجاني مُؤخرا. ففي الاتفاق النووي السابق أحالت إيران 90% من العقود التجارية على الشركات الأوروبية، مكافأة لأوروبا التي ُساندتها في إنجاز ذلك الاتفاق، بينما خرجت الشركات الأمريكية خالية الوفاض. اليوم هذا الموضوع موجود على الطاولة، وهو أحد المواضيع التي تطرحها الولايات المتحدة فتقول لطهران، وتكاد تقول إن أردتم ضمانات من أن الاتفاق الجديد لن يجري نقضه مُجددا، فعليكم منح حصة الأسد من العقود التجارية إلى الشركات الأمريكية، وكما هو معلوم هذه الشركات لديها لوبيات مؤثرة في الكونغرس الأمريكي وفي الحكومة، وهي التي سوف تضمن لكم بقاء الاتفاق حيا، فهل ستلعب طهران هذه الورقة؟