
هل يُمكن هزيمة حماس في هذه الحرب؟
محمد عايش
حرير- في عام 1982 خرجت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد صمود أسطوري غير مسبوق أمام العدوان الإسرائيلي، الذي استهدف العاصمة اللبنانية، وتم توزيع المقاتلين على عدة دول عربية بعيدة عن فلسطين، بعد أن تم نزع سلاحهم وتحويلهم إلى مجرد ضيوف يتقاضون الرواتب في دول بعيدة عن بؤرة الصراع.
لا أحد يشك في أن الخروج الفلسطيني من لبنان كان هزيمة قاسية لمنظمة التحرير، وكان انكساراً كبيراً في مسار مقاومة الاحتلال، وجاءت هذه الهزيمة بعد اجتياح إسرائيلي كبير وواسع للأراضي اللبنانية، ومن ثم فرضت القوات الإسرائيلية حصاراً مطبقاً على بيروت استمر 88 يوماً، وخلال هذه الأيام العجاف سقط الآلاف من الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين، بمن فيهم المدنيون والنساء والأطفال، الذين لم تكن القنابل الإسرائيلية تُميزهم عن غيرهم، وفي ذلك الوقت أكل سكان بيروت الجيف والحيوانات الميتة وشربوا المياه الملوثة وهم تحت الحصار.. كان المشهد آنذاك يُشبه ما يجري لقطاع غزة اليوم، وكان العربُ وما زالوا في كلتا الحالتين يتفرجون على إخوانهم وهم يتساقطون، إما بقذائف الاحتلال، أو بالتجويع والحصار.
ملخص الحكاية هو، أن قوات المقاومة الفلسطينية منيت بانكسار كبير وهزيمة مؤكدة في أواخر عام 1982، وكان الإسرائيليون ومعهم العالم يظنون آنذاك بأن القضية الفلسطينية قد انتهت، وأن الصراع قد تم حسمه لصالح الدولة العبرية، ليتبين بعد سنوات قليلة أن ما كان يعتقده الإسرائيليون ليس صحيحاً، إذ اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى في عام 1987، أي بعد خمس سنوات على ذلك الانكسار الكبير، وبعدها سرعان ما اضطرت إسرائيل للبحث عن أولئك «المقاتلين المتقاعدين» من أجل استرضائهم والتوصل إلى اتفاق معهم، وهو ما تم عندما تم التوقيع على اتفاق أوسلو في عام 1993.
واليوم يتساءل الكثيرون: هل انهزمت حماس في غزة وانكسرت؟ أو هل تتجه إلى ذلك؟ والجواب ببساطة: ربما تنتهي هذه المعركة بهزيمة قاسية لحركة حماس، هذا ليس مستبعداً، لكن هذا ليس معناه مطلقاً أن إسرائيل ستكون قد انتصرت، وأن الاحتلال سيكون قد حسم الصراع لصالحه، وهذا بالضبط ما حدث في لبنان عام 1982 حيث انهزمت منظمة التحرير واضطرت لإلقاء السلاح، وغادر المقاتلون على متن السفن التي اتجهت كلٌ منها الى دولة مختلفة، لكن هذه النتيجة لم تكن تعني مطلقاً انتصار المشروع الصهيوني، ولا أن إسرائيل قد حسمت الصراع لصالحها، بل حتى لبنان لم يتم تحييده. ربما تخسر حركة حماس هذه المعركة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الحركة ستنتهي، وربما أيضاً يتم سحق الحركة بشكل كامل، لكن هذا لا يعني مطلقاً أن القضية الفلسطينية قد انتهت أو ستنتهي. هذه تجارب مرت سابقاً في تاريخ هذا الصراع الممتد طيلة سبعة عقود ماضية وظهرت نتائجها ومآلاتها.
الفلسطينيون شعب موجود وسيظل باقياً بغض النظر عن نتائج هذه المعارك ومآلاتها، وفكرة تذويب شعب ما، سواء بالإبادة الجماعية أو التهجير القسري، أو بأي وسيلة أخرى، هذه فكرة لا يُمكن أن تنجح. كما أن حرب الإبادة، أو عمليات التهجير القسري لا يُمكن أن تنجح في إحلال الهدوء والسلام، بل إنها ستزيد من جذوة النار التي تلتهم هذه المنطقة. الطريق الوحيد للهدوء هو منح الشعب الفلسطيني حقوقه، وتمكينه من إقامة دولته المستقلة القابلة للعيش والاستمرار والبقاء، أسوة بغيره من شعوب المنطقة، وبغير ذلك فإن الغبي فقط هو الذي يعتقد بأن القهر والقنابل والصواريخ يُمكن أن تؤدي إلى حسم هذا الصراع.