فوائد الفساد في نظر الفاسدين.. حسني عايش

في البلدان القمعية التي تصادر حرية التعبير وحرية الإعلام يكون النظام معتماً، والفساد شفافاً يراه الناس ولكنهم لا يتكلمون عنه.

يعين الواحد في الحقل العام دون أن يتم البحث في تاريخه الشخصي وكأنه لا يحاسب على أي انحراف أو فساد سابق.. ولذلك يتسرّب كثير من الفاسدين إلى صلب الإدارة العامة، والشركات المساهمة العامة.

أما في البلدان الحرة والديمقراطية حيث حرية التعبير وحرية الإعلام تطاول السماء، والصحافة استقصائية  والقضاء عادل فيكون الفساد معتما جدا، والنظام أو القرار شفافا بالأبعاد الأربعة. وعندما يُكتشف فاسد مهما كان مركزه حتى وإن كان رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ أو النواب فإنه لا يُرحم.

الجامع المشترك الأعظم بين كل أشكال الفساد وأنواعه أنه معد جدا، ويبدأ من فوق، كما تفيد الدراسات، ثم يهبط ليعدي الجميع، لأنك بعد ذلك لا تستطيع أن تسير مستقيما في طريق معوج مهما كنت صالحا ومتشددا أخلاقيا فتفسد، فبجانب التفاحة الفاسدة تفسد السليمة أيضاً.

تسكت الدول والمنظمات الدولية المانحة للمساعدات للدول المستفيدة الفقيرة أو النامية عن الفساد فيها بحجة أنه ظاهرة ثقافية لا يمكن التغلب عليها. ويقال بسخرية: المساعدات التنموية ليست سوى أخذ الفلوس من الفقراء في البلدان الغنية لمنحها للأغنياء في البلدان الفقيرة. ومن هنا أو لهذا يمكن أن يُنظر إلى الفساد أو يُنظر إليه بنظريتين:

الأولى: النظرة أو النظرية الأخلاقية، وهي نظرية قيمية تؤكد أن الفساد رذيلة، وانه يضر بفعالية الإدارة، ويلحق أكبر الضرر بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وسلامة الوطن، والدولة. إنه خيانة للأمانة.

والثانية: النظرة أو النظرية البنيوية، وهي نظرية يؤكد أصحابها أن للفساد في البلدان النامية أو السائرة على طريق النمو، آثاراً إيجابية وفوائد كبيرة، مثل الإسهام في اندماج جميع فئات المجتمع وشرائحه، وتحقيق الاستقرار فيه، والتعجيل بنموه الاقتصادي وتطوره.

وصل الأمر بإحدى المجلات الآسيوية المحترمة (Far  Eastern Economic Review) إلى حد نشر هذه النظرية والدفاع عنها وتبريرها قائلة: إن الفساد بمثابة تشحيم أو تزييت لا بد منه لتسليك الإدارة الجامدة وتحريكها لتعمل. وأضافت: إن الفساد يجعل الإدارات الحكومية العقيمة والمتثاقلة والبطيئة تتحرك بسرعة. ولذلك أثر إيجابي ليس اقتصاديا فقط، وإنما إداري وتنظيمي أيضا”. وكأن الفساد في رأي المجلة مجرد عمولة – لا رشوة – مقابل جهد مشروع. والعمولة هي المصطلح الناعم الدارج في البلاد الفاسدة لدفع المسؤولين والموظفين لتعاطي الفساد عينك عينك. لطالما كررت القول أن الفاسدين في البلاد الصالحة يعدون على الأصابع، وأن الصالحين في البلاد الفاسدة يعدون على الأصابع.

وما أن نشرت المجلة المذكورة نظريتها حتى بدأت الدراسات حول الفساد وتعددت واتسعت وتعمقت، ومن ذلك ادعاء إحدى الدراسات ان الفساد يفتح للأقليات الإثنية والدينية والفئات المعارضة أبواب النظم السياسية والاقتصادية المغلقة عليها. كما أنه يضعف أو يقضي على ممارسات التمييز الاقتصادي والسياسي للقيادة أو النخبة الحاكمة، فيدفع المجتمع نتيجة لذلك، نحو الاندماج الوطني.

وادعت دراسة ثانية أنه لولا منافع الفساد لما تمكن كثير من الأحزاب السياسية في كثير من الأحيان من الظهور أو العمل علناً.

وادعت دراسة ثالثة أن الفساد يساعد على زيادة التكوين الرأسمالي والاستثمار في القطاعات الإنتاجية، لأن الذين يتعاطون العمولات (الرشاوى) من المسؤولين يستخدمونها للاستثمار أكثر مما يستخدمونها للاستهلاك.

وادعت دراسة رابعة أن الفساد يشجع السلوك الاقتصادي الريادي، باختيار المسؤولين رجال الأعمال القادرين على دفع أكبر الرشوات من بين المتنافسين منهم على العقد أو المشروع، أو الصفقة.

وادعت دراسة خامسة أن الفساد يساعد على التغلب على عدم الكفاءة في جهاز الدولة.

لم يبق على أصحاب هذه النظرية سوى تقنين الفساد لتحديد نسبة/ حصة كل واحد في الهرم منه

* مستمد من دراسة موسعة للكاتب في مجلة دراسات عربية العدد 11/12 من السنة الثالثة والثلاثين أيلول/ تشرين الأول: 1997.

مقالات ذات صلة