
إنذار باللون الأحمر
مالك العثامنة
حرير- الخراب في القيم هو من داخل المجتمع وينتقل إلى مؤسساته، نقطة وأول السطر.
حادثة محاولة حرق أحداث لطفل في مدرسة بالزرقاء ليست خبرا تفرده صفحات الاجتماعية في الصحف ثم نطويه متمتمين: هذه عادات غريبة عن مجتمعنا. ثم نمضي.
فلنكن واضحين مع أنفسنا ونقول: هذا هو مجتمعنا بخيره وشره.
عبارات صماء ومقولبة مثل “العنف في مدارسنا” أو “العنف في جامعاتنا” تجعلنا نتكل ببرود إلى أن المشكلة في تلك المؤسسات، بينما هي وفي الحقيقة التي نرفض مواجهتها أزمة عميقة في الوعي الجمعي والمجتمعي تراكمت طوال سنوات دون حلول حقيقية وارتهنت إلى تكتيك “الطبطبة” والتمرير.
ما نشهده قضية أمن قومي، والأمن القومي ليس مقتصرا على معالجة خطر خارجي يستهدف الحدود، أو إرهاب “كلاسيكي” قوامه خلايا متطرفة نائمة، فتلك الخلايا النائمة هي بكامل يقظتها في تعاملاتنا اليومية.
قبل سنوات قليلة، كانت هناك قضية عرفت في الأردن بقضية “الفتى صالح”، كشفت بشاعتها حالة رعب حقيقية موجودة في أحياء مدينة الزرقاء كذلك، عبر ظواهر تجمعات عصابية يقودها مجرمون تشكلت نواياهم الجرمية بالتراكم، ونمت الجريمة في داخلهم بفعل الإهمال “الرسمي والمجتمعي” معا. ولا أفهم كيف لا يمكن اعتبار ذلك “إرهابا” ما دام يحقق فعل الإرهاب بين الناس.
التفاصيل الصغيرة التي نهملها تتراكم وتتعاظم أيضا لتنتهي إلى ما نراه من كوارث، والقصة كلها تكمن بالوعي، الوعي بمعنى القانون ومفهوم الأنظمة وإدراك جذري وعميق ومتأصل “لم يعد موجودا” لفكرة المواطنة التي تضع الناس جميعا بلا استثناء أمام مسطرة مسؤولية واحدة.
فلنبدأ من تلك التفاصيل الصغيرة التي نمارسها يوميا أمام أطفالنا، فحين تقود سيارتك وأطفالك معك غير ملتزم بأي تعليمات وقوانين سير، بل وتتباهى “بمهارتك المجنونة” في القيادة كعمل بطولي، فأنت ببساطة كسرت كل هيبة للقانون الذي يفترض أن تغرسه كحالة احترام، وأعليت من شأن “العبث والتهور” كحالة بطولية مرتبطة بمفهوم مشوه للرجولة!
حين يراك طفلك تلقي بعقب سيجارتك “والأردنيون يتوهمون بالتدخين رمزا رجوليا” من نافذة السيارة على قارعة الطريق فأنت ترسخ انعزال هذا الطفل عن مدينته وبلده، غير عزله عن قيمة إنسانية تتعلق بالنظافة والصحة العامة.
الأردني يطالب دوما بإصلاحات سياسية وإدارية وتقويم المؤسسات التي تنتج ظواهر يراها “غريبة عن مجتمعنا” لكنه بحد ذاته هو الظاهرة التي تصنع الغرائب في الحقيقة، فهو يطالب بالنظام “المؤسسي” بينما يكون أول من يخالفه إما بحثا عن واسطة في معاملة او بتعيين غير مستحق، أو في تجاوز دوره بطابور ما.
كثير من الأردنيين مستعد للتحدث ساعات طويلة بلا تعب وبكثير من الحنق والصراخ مطالبا بأن يكون الأردن مثل “سويسرا” لكنه عند أول منعطف “حاجة” في حياته يلجأ لمقطع اسمه الرابع بحثا عن تلبية حاجته، وفي حالات كثيرة يعتقد بتفوقه القبلي أو الفردي فقط لأنه يملك قوة واهمة يراها أهم من القانون والمجتمع كله.
كل ما نراه “وسنراه” هو إنتاجنا الذاتي، وأخشى أن ما سنراه يوما لو لم ننتبه إلى القصة من منظور أمن قومي أن ننتهي إلى فوضى هائلة أنكرنا بداياتها منذ أقنعنا أنفسنا أن كل ما يحدث “غريب عن ثقافتنا”.
بصراحة.. هذا الذي نراه كله ثقافتنا.