التنشئة العنفية الإسرائيلية والمشروع الصهيوني

لطفي العبيدي

حرير- مهمّة إسرائيل الأولى لم تتغيّر، ومشروع بناء إسرائيل الكبرى يتكشّف، على نحو ما صرّح به ترامب وكذلك نتنياهو، من أنّ حجم إسرائيل صغير. وبالتالي الاستيطان والتوسع هو ضرورة جيوسياسية بالنسبة لهؤلاء الذين يعتقدون حتى الآن أنّ موقع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط العربي الإسلامي يُعطيها ميزة التحكّم في الاستقرار لدول الإقليم، والحفاظ على النظام الدولي القائم، والحيلولة دون ظهور توجّهات قومية أو إسلامية ثورية في العالم العربي.

التنشئة العنفية الإسرائيلية، اعتمدت آليّة منهجية محددة يبدو أنها تتفاقم مع نزوع المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف، وهذه المنهجية التي رعتها الصهيونية الدينية منذ فترة طويلة تقوم على شيطنة الفلسطينيين والنفي الصهيوني لوجود هوية وكيانية عربية موحدة للفلسطينيين، والتعاطي معهم كأفراد باستعلاء وتمييز عنصري وضغينة. وحرب الإبادة والقتل بلا شفقة الذي نراه كل يوم ضد المدنيين في غزة، نتيجة لكل ذلك، ولا فرق بين الصهيونية القومية أو الصهيونية الدينية، لدى هذا الكيان المعادي للوجود الفلسطيني بشكل عام.

الحرب التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة تحت مسمى «الدفاع عن النفس»، بعد أحداث السابع من أكتوبر، ويصر قادة الكيان على مواصلتها تمهيدا لاحتلال قطاع غزة مرة أخرى، وجعله مستوطنة إسرائيلية، تندرج في عداد الإفرازات المتتالية للمجتمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين منذ عهود مبكرة. الصهيونية الدينية أنهت حياة إسحاق رابين لأنه تراخى في موضوع الاستيطان، ونقمت شر نقمة على أرييل شارون لانسحابه من غزة. ونراها تدفع منذ بداية حرب الإبادة والتهجير، التي تحدث اليوم، نحو إعادة احتلال القطاع. وتكفي رؤية تصريحات سموتريتش الوزير في حكومة نتنياهو، وأحد غلاة المتشددين في هذه الصهيونية التي لا تؤمن بوجود آخر غير الوجود الإسرائيلي، على قاعدة أنها لا تفتك أرضا، بل تعيد تحرير أرض، حسب المعتقد الصهيوني القائم على التزييف والخديعة.

انزلاق المنطقة العربية إلى دائرة الفوضى أصبح واضحا، ولا بوادر لأن تتخلص من شبح الحرب بسبب مشاريع أمريكا وأطماع كيانها الصهيوني، ومع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، سيحاول نتنياهو بكل ما يستطيع، أن يدفع نحو ما بعد الحصار الاقتصادي الخانق، وسياسة العقوبات التي يتبناها ترامب بخصوص طهران. وسيكون البرنامج النووي محط أنظار هؤلاء، واحتمالية المواجهة العسكرية قائمة، إذا ما قامت تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. في الأثناء، واشنطن وتل أبيب تستغلان إلى الآن مشاعر الخوف والرفض المعهود لنفوذ إيران الإقليمي من قبل البعض، بما يسهّل عملية ضمّ المزيد من الدول إلى صفّ إسرائيل ضمن «لوبي إسرائيلي عربي» لمواجهة «عدو مشترك». هي مقايضة صريحة ستعيد إسرائيل العمل عليها، حتى بعد حربها الهمجية على غزة على نحو الدفع من جديد نحو التطبيع العلني مع ما يسمى «دول الاعتدال العربي». رغم كل ما حدث من مجازر لا توجد أي إشارة إلى الندم، أو الإحساس بالمسؤولية على المعاناة الهائلة التي حلّت بالشعب الفلسطيني في غزة. لا في أمريكا ولا غيرها من دول الغرب، الذي يدعي الحضارة والمدنية وحقوق الإنسان. ربما هذا طبيعي فالولايات المتحدة قامت كدولة على التهجير والقتل، عندما ارتكبت المجازر في حق السكان الأصليين، وإسرائيل تخطو خطاها في هذا الإجرام وأعمال الإبادة. الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتقد أنها ستحيّد الشرق الأوسط نحو هيمنة استراتيجية لكيانها الصهيوني، وتهتم بالصراع مع روسيا وفي بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيط الهادئ، تتحمل وزر المأساة التي تحدث في فلسطين، فهي المشاركة فعليا في حرب غزة، التي تسمح باستمرارها حتى الآن، عندما قررت منذ البداية أن تمضي قدما في واحدة من أكبر عمليات نقل الأسلحة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل في التاريخ. إسرائيل تعتبر نفسها في وضع جيد لإعادة تشكيل المنطقة، لكنها معزولة في الساحة الدبلوماسية وفي المنظمات الدولية. والمسؤولون الأمريكيون هم في الخندق نفسه مع المجرمين الصهاينة مرتكبي جرائم الإبادة في حق أطفال غزة ونسائها وشيوخها، ولن يحصل مع دونالد ترامب أي شيء يمكن أن يفيد الفلسطينيين. إدارته السابقة نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، معترفة فعليا بسيادة إسرائيل على المكان بأكمله دون أن تعلن ذلك، وقد أدت هذه الخطوة إلى تدمير الفلسطينيين، وتدمير دعمهم لحل الدولتين.

من الواضح أن السياسة الخارجية لجو بايدن كانت فاشلة، رغم النوايا الحسنة التي يراها البعض، خاصة في الأوساط الإسرائيلية، التي تأمل أن يتمكن تنصيب دونالد ترامب في البيت الأبيض من تغيير الوضع الجيوسياسي العالمي، بالنظر إلى فشل بايدن في فرض سلطته في الصراعات العالمية. مع دونالد ترامب، من المحتمل حسبما جاء في صحيفة «إسرائيل هيوم» أن تكون اللغة الدبلوماسية في العلاقات الدولية مختلفة عن لغة سلفه.. فهل سيواصل خلال ولايته الثانية اتفاقيات ابراهام ويعزز دور النفوذ الأمريكي في المنطقة من خلال التطبيع السعودي مع إسرائيل؟ هل سيكون غير مبالٍ بمستقبل سوريا؟ بنوايا تركيا أردوغان للهيمنة؟ كيف سيتصرف تجاه إيران؟ هل سيعمل كوسيط في حل المشكلة الفلسطينية؟ هل سيتمكن من تحرير جميع الرهائن المحتجزين في غزة؟ هناك العديد من الأسئلة، والتحديات متعددة ومعقدة. الحرب لم تبدأ في عهد ترامب، ولكنه أشعل النار وترك المبنى يحترق بالكامل، حتى الآن هو لم يخيب آمال الإسرائيليين. ومع ذلك، يعتقد كثير منهم أن دونالد ترامب لا يمكن التنبؤ بما سيقوم به، خاصة أنه يسعى في الغالب إلى التفاوض على صفقات اقتصادية تعود بالأساس بالنفع على المصالح الأمريكية. أين العرب في كل هذا؟ تلك هي الخيبة المعممة والفراغ الكبير.

مقالات ذات صلة