أزمة “الأونروا” تهدد مليوني لاجئ في الأردن

تدخل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في هذه المرحلة من عمرها الزمني الممتد منذ العام 1949، سنة تأسيسها، منعطفا حاسما يتجاوز تبعات أزمتها المالية الخانقة وغير المسبوقة، بعجز مالي يبلغ 217 مليون دولار لهذا العام، وسط محاذير من تقويض نطاقها الخدمي، وتهديد مصير وجودها الحيوي، عقب قرار الإدارة الأميركية وقف تمويلها بالكامل، والذي يقدر بنحو 360 مليون دولار سنويا.

وتنعكس أزمة “الأونروا”، بأبعادها السياسية والإنسانية القاتمة، على أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني مقيمين بمناطق عمليات الوكالة الخمس، (الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة)، وعلى حجم وطبيعة خدماتها، التعليمية والصحية والإغاثية الاجتماعية، عدا تأثيرها على الدول المضيفة، وبمقدمتها الأردن، الذي يستضيف زهاء مليوني لاجئ بنسبة 42 %، في أراضيه.
وأمام قرار الولايات المتحدة، التي تعد أكبر دولة مانحة منفردة “للأونروا” بثلثي موازنتها، حجب الدعم عن الوكالة، مؤخرا، وضعف استجابة الدول المانحة لزيادة التمويل وتعويض قيمة التبرعات الأميركية، فإن إدارة الوكالة قد تضطر إلى اعتماد جولة جديدة من إجراءات تقليص الخدمات، أو وقف بعض برامجها، مما يضع مصيرها على محك غير محسوب.
وقالت مصادر مطلعة في “الأونروا”إن “تحذير الوكالة من تبعات أزمتها المالية غير المسبوقة يعد بمثابة جرس إنذار قد يهدد مصير خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين، ويمس عملها ووجودها، في حال تقاعس الدول المانحة عن تغطية العجز المالي المتفاقم بميزانيتها”.
وأضافت إن “التراجع في حجم تبرعات الدول المانحة “للأونروا”، سيضطر الأخيرة لتقليص منسوب خدماتها أو وقفها كليا، بما يحمل الأردن، بصفته أكبر دولة مضيفة عبء سد النقص القائم بالإنفاق والخدمات”.
وتبذل الدبلوماسية الأردنية جهودا حثيثة، عبر المحافل الدولية، لتأكيد ضرورة استمرار دعم “الأونروا” حتى تتمكن من أداء مهامها وتقديم خدماتها، تبعا للموقف الرسمي الرافض لأي مساس بخدماتها أو إنهاء عملها.
ويتكبد الأردن الكلائف الاقتصادية والاجتماعية الأثقل حجماً، والتي “تتجاوز ميزانية “الأونروا” ضمن ساحته “بأضعاف”، والمقدرة حاليا بنحو 145 مليون دولار للميزانية العامة، خلافا للمشاريع المتغيرة بحسب المتطلبات المستجدة”، وفق دائرة الشؤون الفلسطينية.
ومن شأن تفاقم أزمة “الأونروا” أن يضيف أعباء وضغوطا مرهقة على الأردن، حيث تقدر قيمة ما يتم إنفاقه سنويا، بحسب “الشؤون الفلسطينية”، أكثر من مليار و200 مليون دينار، في مختلف القطاعات الحياتية، على اللاجئين الفلسطينيين، سواء المقيمين منهم داخل المخيمات، أم خارج المخيمات”، حيث يقيم حوالي 350- 400 ألف لاجئ فلسطيني ضمن 13 مخيماً موزعاً في أنحاء متفرقة من المملكة.
وإذا كانت الأزمة غير المحمودة التي تمر بها “الأونروا” ستجد بصماتها السلبية على مصير الخدمات، لاسيما التعليمية منها، فإن وجهها القاتم سيبرز جليا عبر ساحات المخيمات، التي تقف في واجهة المشهد المالي المأزوم، بصفتها الأكثر انكشافا وهشاشة لشظف الظروف المعيشية الصعبة.
القطاع التعليمي.. الحلقة الأضعف
يهدد استمرار الأزمة المالية “للأونروا”، في ظل السياسة الأميركية الرامية لتجفيف مواردها، مصير 121 ألف طالب وطالبة، من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في المملكة، ضمن 171 مدرسة تابعة للوكالة، عند إغلاق بعضها، إذ قد يضاف غالبيتهم إلى نحو 600 ألف من أقرانهم الذين يتلقون تحصيلهم الدراسي بالمدارس الحكومية، التي تعاني من عبء ثقيل منذ فترة ليست قليلة.
ويعد قطاع التعليم “الأكثر تضرراً باعتباره الحلقة الأضعف في دائرة خدمات الوكالة؛ حيث يستحوذ على النصيب الأوفر عدديا من الموظفين العاملين بنحو 5 آلاف، ما بين معلم ومدير، من إجمالي 7 آلاف موظف بالأردن”، وفق مصادر مطلعة في “الأونروا”.
فيما تصبح معايير حجم الكادر التعليمي والإداري والمنشآت التابعة للقطاع التعليمي والتحصيل العلمي للطلبة، ضمن مدارس الوكالة والجامعة وكليتي المجتمع ومركز التدريب المهني، عرضة للتهديد عند ضعف استجابة المانحين لنداءات الأونروا المتكررة بزيادة الدعم.
وأضافت نفس المصادر إن “مصير كلية “العلوم التربوية والآداب” الجامعية قد يتأثر أيضاً عند الدفع باتجاه تقليص الخدمات، أو لدى الحديث عن مسار التطوير التربوي والتأهيل وإعادة الهيكلة”، منذ تأسيسها في العام 1993.
ومن المرجح تفاقم المشهد الخدمي عند المساس بالمنشآت التعليمية التابعة للوكالة، أو المس بـ 25 مركزاً صحياً، تستقبل 1.5 مليون زيارة مرضية سنوياً، وحرمان 59 ألف لاجئ مستفيد من برنامج الأمان الاجتماعي، أو إغلاق 14 مركزاً نسوياً، يقدم الرعاية والدعم للاجئات اللواتي يشكلن مصدر دخل لقرابة 14 % من إجمالي الأسر المعيشية للاجئين الفلسطينيين، بينما تصل النسبة إلى 46 % ضمن حالات العسر الشديد.
ولم تستبعد المصادر أن “تستهدف إجراءات تخفيض الخدمات الإبقاء على الشق الخدمي الإنساني فقط لعمل الوكالة، دون الخدمات الأخرى، بمعنى مواصلة المساعدات التي تقدم للعائلات الأشد فقراً من خلال برنامج الإغاثة الاجتماعية، والخدمات الأساسية لبرنامج الصحة، وخدمات الطوارئ، بينما يستثنى منها الخدمات التعليمية والتشغيلية الأساسية”.
وقد يتجسد ذلك عبر الشروع، ابتداء، بضرب القطاع التعليمي، الذي يعد الأضخم حجما وعددا، من حيث عدد موظفيه وهيكلة رواتبه، حيث أن 60 % من أصل 80 % من ميزانية الوكالة، التي تذهب كرواتب للموظفين، تخصص للكادر التعليمي، مما يعني، عند حدوثه، إنهاء 75 % من عمل الوكالة، مع الإبقاء على 25 % فقط من هيكلتها الخدمية، سهلة الإلغاء.
واتخذت إدارة الوكالة رزمة معتبرة من إجراءات التخفيض، منذ القرار الأميركي بوقف التمويل، عبر وقف أنشطة المال مقابل العمل في الضفة الغربية اعتباراً من 31 تموز (يوليو) الماضي، ومواصلة أنشطة “الكوبونات الغذائية” حتى نهاية العام 2018، ليتم بعدها نقل الأسر الأشد فقراً إلى برنامج الأونروا لشبكة الأمان الاجتماعي”.
كما تقرر، وفق تصريح سابق للمتحدث الرسمي باسم “الأونروا”، سامي مشعشع، “إيقاف العيادات الصحية المتنقلة اعتباراً من 31 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وعدم تجديد عقود حوالي 154 موظفا في الضفة الغربية ممن تم توظيفهم على حساب أموال الطوارئ المستنزفة حال انتهاءها”.
فيما جرى “إدماج أنشطة الصحة النفسية ضمن دائرتي الصحة والتعليم في قطاع غزة، اعتبارا من الشهر الحالي، مقابل إعطاء الأولوية لدعم الأمن الغذائي للاجئين الأشد عرضة للمخاطر عن طريق مواصلة البرنامج الغذائي الطارئ لحوالي مليون لاجئ في القطاع”.
وتأتي تلك القرارات “الطارئة” عقب إجراءات تقشفية صارمة اعتمدتها “الأونروا”، قبل صدور القرار الأميركي، مثل تجميد التعيينات، وإلغاء وظائف 85 % من العاملين الأجانب لديها بعقود، وإغلاق بعض المدارس تحت ذرائع ظروف البيئة المدرسية غير الصحية، وتقليص عدد الغرف الصفية.
وكانت الأونروا لوحت بتأجيل العام الدراسي لنصف مليون طالب وطالبة، ضمن 700 مدرسة، وثمانية مراكز للتدريب المهني تضم سبعة آلاف لاجئ ولاجئة في مناطق عملياتها الخمس، بسبب عدم قدرتها على دفع رواتب المعلمين، وتغطية النفقات المرتبطة بتشغيل مدارسها، والمقدرة بنحو 25 مليون دولار شهرياً حتى انتهاء العام الحالي.
البطالة وشظف المعيشة الهشة
تجد تحديات أزمة “الأونروا” أبعاداً قاتمة داخل مخيمات اللاجئين، الأكثر انكشافاً وهشاشة إزاء الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها، والناتجة أساساً عن تقادم سنوات اللجوء القسري الإسرائيلي بدون تحقيق حق العودة وفق القرار الدولي 194.
وقد تدفع تلك الظروف القاتمة ببعض الأسر لإخراج أبنائها من مقاعد الدراسة للالتحاق المبكر بسوق العمل ورفد العائلة بمصدر دخل  أسوة بما يعتزم فعله جمال سليم (30 عاماً)، من مخيم الحسين، الذي تأسس العام 1952، فوق مساحة من الأرض تبلغ 0,42 كم2، شمال غرب عمان، بينما يضم اليوم زهاء 29 ألف لاجئ، في ظل مساحة ضيقة تنوء بالاكتظاظ السكاني الحاد.
وتشكل عمالة الأطفال أحد الإشكاليات البارزة التي تسعى الأونروا لمعالجتها، في ضوء معطيات تشير إلى أن نحو 6.9 % من أطفال المخيمات من عمر 15 عاما فما فوق يعملون بمهن بسيطة مقابل 30 % منهم يعملون في أعمال مهنية وتصنيعية حرفية متعددة.
بينما تفسح هشاشة المنظومة المجتمعية في المخيمات المجال أمام لاجئيها من الشباب اما إلى التوجه مبكراً إلى سوق العمل بعد ترك مقاعد الدراسة، أو الانضمام إلى قائمة العاطلين عن العمل، أو التفكير في الهجرة.
وترتفع نسبة البطالة بين فئة الشباب من اللاجئين، الذين تتراوح أعمارهم من 12 -29 سنة، إلى حوالي 33 % تقريباً، بينما يبلغ معدلها بين صفوف اللاجئين نحو 13 % وبين اللاجئات 10 %، وفق دراسة المسح الشامل المشتركة التي أعدتها، مؤخرا، دائرة الشؤون الفلسطينية والمؤسسة النرويجية للأبحاث.
وتفوق معدلات البطالة بين صفوف الشباب داخل المخيمات نسبتها بالمقارنة مع خارج نطاقها، نظير اصطفاف حوالي 16 % من الفئة العمرية 15 – 24 عاماً إلى جانب العاطلين عن العمل، بينما تصل معدلاتها ضمن الفئة العمرية الممتدة من 25 – 34 إلى 15 %، مقابل 30 % و13 % بالنسبة لفئات النساء العمرية المقابلة على التوالي.
وتقع نسبة البطالة الأعلى بمخيم عزمي المفتي، بنسبة 11 %، يليه مخيمات البقعة والسخنة وسوف ثم مخيم جرش، بنسبة 10%، مقابل وجود النسبة الأقل في مخيم حي الأمير حسن، بنسبة 11 %، ومخيم الحسين بنسبة 12 %.
فيما تتفاقم التحديات في المخيم الأكبر حجماً والأكثر عديداً بالمملكة؛ حيث يقيم نحو 104 آلاف لاجئ في مخيم البقعة، الذي تأسس بعد العدوان الإسرائيلي العام 1967، عبر تغلغل “مستويات الفقر والبطالة بين صفوفه، وتهالك المستوى التعليمي فيه، وتهلهل سوية مساكنه”، بحسب “الأونروا”.
وتسجل المعطيات الرقمية “نحو 31 % من مجمل العائلات في المخيمات تحت خط الفقر وبمعدل أعلى في المخيمات الواقعة شمال المملكة بنسبة 36 %، بينما ترتفع النسبة في قطاع غزة إلى نحو 64 %”.
وتتخذ أوضاع اللاجئين الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة، الذين هجروا إلى غزة العام 1948 ومن ثم إلى الأردن العام 1967، منحى أكثر سوءاً، بما ينعكس سلباً على “نحو 135 ألف شخص، منهم 20 ألف في مخيم غزة، مسجلين لدى الأونروا، من إجمالي قرابة 300 – 350 ألف مقيمين في الأردن”، وفق تقديرات غير رسمية.
فيما تنعكس الوضعية المجتمعية الهشة للمخيمات سلبياً على المرأة اللاجئة، عبر نسب الفقر والبطالة، إذ تجد البطالة نسبتها المرتفعة بين صفوف اللاجئات في المخيمات “بقرابة 23 % مقابل 11 % للذكور من أصل 18 %، بينما تصل نسبتهن إلى 33 % مقابل 17 % للذكور من أصل 25 % إجمالي معدلها بين صفوف اللاجئين”، بحسب تقديرات غير رسمية.
وتشكل السيدات اللاجئات مصدر دخل لقرابة 14 % من مجموع الأسر المعيشية من السكان اللاجئين، بينما تصل النسبة إلى 46 % في حالات العسر الشديد، عبر عمل غالبيتهن في مشاغل يدوية كمهن الخياطة والتطريز والرسم على الزجاج أو طرق باب إعداد الأطعمة وتسويقها، مقابل الالتحاق في مراكز نسائية تابعة للأونروا.
وتترك إشكالية إنهاء عمل موظفين بالوكالة أو تعليق التعيينات، في إطار تخفيض الخدمات، تأثيراتها المقلقة بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين، في ظل شظف المعيشة وارتفاع نسبتي الفقر والبطالة، التي قد تولد المظاهر المجتمعية السلبية، وفق أمين جابر (48 عاماً)، من مخيم الحسين، الذي اعتبر مع أقران آخرين، أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزداد سوءاً.
 تأثيرات سلبية
لن تتوقف تأثيرات أزمة “الأونروا” عند ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتهديد مصير الخدمات، فحسب، حيث ستتغلغل المظاهر السلبية بين تحديات شظف الحال وقلة الدخل أو عدمه وضعف القدرة على تأمين الحاجات الأساسية، كالطعام والطبابة، لاسيما بين الفئات الشبابية التي تشكل أكثر من نصف إجمالي اللاجئين الفلسطينيين.
وقالت “الشؤون الفلسطينية “و”الفافو”، في دراستهما المشتركة، أن “تفاقم ظروف المعيشة المجتمعية تسهم في انتشار المظاهر السلبية، مثل إشكاليات الجريمة والعنف وتعاطي المخدرات، والتي تعتبر في عمان أسوأ من المتوسط، وهو أفضل قليلا في البقعة وفي مخيمات الشمال، بينما بدا الأمر في الزرقاء  الأفضل نسبياً”، بحسبها.
وقد سبق “للأونروا” أن حذرت في دراسة أجرتها حديثاً من “تبعات الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها الشباب اللاجئ بسبب نسب الفقر والبطالة المرتفعة ووضعهم الصحي المتردي”.
وأمام ضيق نطاق مساحة المخيمات؛ فإن المظاهر السلبية تنتشر بسرعة أكبر وبنتائج أسوأ، وفق قول الشاب معاذ سليمان (28 عاماً)، من مخيم الوحدات الذي يعد أحد أكبر مخيمات المملكة وأكثرها ازدحاماً، منذ تأسيسه عام 1955، بعد “نكبة فلسطين”، فوق مساحة من الأرض تبلغ 0,48 كم2  جنوب شرقي عمان.
وطبقاً لمعطيات “الأونروا”؛ فإن نحو 46% من مساكن اللاجئين الفلسطينيين تحوي 3 أفراد أو أكثر في غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها 15 متراً مربعاً مقامة على قطعة أرض لا تزيد مساحتها عن 80 – 90 متراً مربعاً.
وتعد مشكلة الاكتظاظ السكاني أحد أبرز التحديات التي تواجه أوضاع المخيمات التي بنيت على مساحات أراضي محدودة غير قابلة للتوسع أفقياً، فيما تضاعف أعداد اللاجئين خلال نفس الفترة أكثر من أربعة مرات ما دفع بأغلبية أهالي المخيم إلى التوسع عمودياً ببناء طابقين إلى ثلاثة طوابق فوق الوحدة السكنية الواحدة، ما أدى إلى تفاقم حدة الازدحام السكاني وخنق المساحات العامة والمناطق الخضراء داخله لتصل إلى أقل من 10% من مجمل المساحة الكلية للمخيمات في الأردن.
في حين ليس مستبعداً أن تتحول المخيمات، مجدداً، إلى بؤر مكاره وأوبئة صحية عندما يطال تخفيض الخدمات مصاف العاملين لدى الوكالة ضمن نظام المياومة، كما حدث مؤخراً حينما إمتلأت ساحاتها الضيقة والمكتظة سكانياً بالنفايات المكدسة بعد قرار الوكالة إنهاء خدمات أكثر من 100 موظف، وهم بدلاء الدرجة الثانية، (عمال النظافة وأذنة المدارس والعيادات)، باعتبارها تدابير لتوفير التكلفة وضبط النفقات.
وأعرب لاجئون، من بينهم جميل يوسف (34 عاماً)، من مخيم الوحدات، عن القلق من عودة إشكالية تراكم النفايات والأتربة، التي انتشرت، حينها، في “ساحة إحدى مدارس المخيم وبين أزقته ووحداته السكنية الصغيرة، مما تسبب في انتشار الحشرات والأوبئة الضارة على قاطنيه”، إزاء قساوة الظروف المعيشية.
وكان شبان من اللاجئين الفلسطينيين بادروا لاستلام دفة المسؤولية، عند تفاقم مشكلة النفايات، مؤخراً، وذلك عبر “تنظيف المخيمات من المكاره والأوبئة الصحية”، وفق قول الشاب زاهر عبد الحميد (24 عاماً)، من مخيم الوحدات، إلا أن التجربة لم تدم طويلاً.
سياسة أميركية مضادة
أصابت السياسة الأميركية المضادة “للأونروا” عصب عملها عند استهداف نطاق خدماتها المقدمة للاجئين.
واعتبرت المصادر في الوكالة أن “الدول المانحة مدعوة لزيادة دعمها المالي للأونروا، حتى تتمكن من استمرار عملها، في ظل مساعي إدارة الوكالة الحثيثة لفتح منافذ تمويلية جديدة”، قد تسهم في تعويض التمويل الأميركي المحجوب.
ونوهت إلى ضرورة “تكثيف محاولات تأمين ميزانية ثابتة وراسخة للأونروا، ضمن موازنة الأمم المتحدة، وعدم الاعتماد على الهبات والتبرعات، لمفاداة موقف مماثل للخطوة الأميركية الأخيرة”.
وتبرز مواطن القلق هنا من مسألة تزامن قرار الولايات المتحدة وقف تمويل “الأونروا”، مع المساعي الأميركية– الإسرائيلية الحثيثة لتجفيف مواردها، و”إلغاء عملها تدريجياً، والمساس بتفويضها الأممي، عبر دمجه في نطاق صلاحيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، وفق منظمة التحرير الفلسطينية.
وقالت إن المحاولات الأميركية – الإسرائيلية تستهدف “إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإسقاط حق عودتهم إلى ديارهم وأراضيهم التي هُجروا منها بفعل العدوان الإسرائيلي عام 1948، تماهياً مع ما يسمى “صفقة القرن”، لتصفية القضية الفلسطينية”.
ويربط الجانب الفلسطيني تلك المساعي بقرار ترامب  “الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي”، ونقل سفارة بلاده إليها، وإغلاق مكتب منظمة التحرير، وتقليص المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية.
وترمي المحاولات الأميركية – الإسرائيلية لتعطيل دور “الأونروا” الأممي ومهام ولايتها، التي مددتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى حزيران (يونيو) 2020، بتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين، عبر تغيير “تفويضها” المحدد بالقرار 302 لعام 1949.
ويشترط ذلك نيل موافقة الجمعية العامة على دمج هذا التفويض ضمن صلاحيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بما يعني عملياً إلغاء القرار 302، وانتقال عديد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى “الأونروا” تحت مظلة المفوضية، التي تعتمد تعريفاً مغايراً “للأونروا” يستهدف، فعلياً، توطينهم حيثما يتواجدون.
وقال خبير القانون الدولي، الدكتور أنيس القاسم، لـ”الغد”، إن “محاولات تسليم مهام “الأونروا” إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة  تعد غير قانونية، إزاء اختلاف تعريف اللاجئ عند كليهما”.
وأضاف “يورَد التعريف في القانون الدولي، وفق اتفاقية 51 الخاصة بوضع اللاجئين، عدم استطاعتهم العودة خشية عليهم من الإضطهاد في دولتهم التي غادروها، خلافا للاجئين الفلسطينيين، وفق تعريف “الأونروا” وبموجب القرار 194، الذين لهم حق العودة والتعويض، والذين ينشدون عودتهم إلى ديارهم وأراضيهم حتى لو تم اضطهادهم، لولا التعنت والمنع الإسرائيلي”.
واعتبر القاسم أن “الخلط يحدث عند استلال البعد السياسي، لأجل المساس بتعريف اللاجئ الفلسطيني، وإسقاط حق العودة، وتدعيم وضع الفصل العنصري للكيان الإسرائيلي”.
وكانت الولايات المتحدة اشترطت، لإعادة تمويل “الأونروا”، استئناف القيادة الفلسطينية للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، للاتفاق على الخطة الأميركية، المعروفة باسم “صفقة القرن”، وهو الأمر الذي رفضته واعتبرته “ابتزازاً سياسياً”، مؤكدة موقفها من ضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حدود العام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين بموجب القرار الدولي 194، فضلاً عن مناهضة التفرد الأميركي بملف عملية السلام.
كما اشترطت الإدارة الأميركية قيام الأونروا “بإصلاحات”، لضمان استمرار تلقي الدعم، الذي سيتم حصره في إقليمي الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، بدون سورية ولبنان، من مناطق عملياتها الخمس، بحسب تصريح رسمي من الأونروا.
وقد تبِع ذلك تقدم العضو بمجلس النواب الأميركي، داغ لمبورن”، عن الحزب الجمهوري، مع أقران له في “الكونجرس”، بمبادرة لسن قانون جديد يحصر عدد اللاجئين الفلسطينيين بنحو 40 ألفاً فقط، سبيلاً لتخفيض دعم الولايات المتحدة للأونروا، وتقليص “عدد اللاجئين الفلسطينيين بشكل كبير، خلافاً للتعريف الأممي الذي أسهم في تضخم ميزانية الوكالة وأبقى قضيتهم حية للأبد”، بحسب قوله.
وهذه “الشرعَنَة” الأميركية المغايرة لتعريف اللاجئين الفلسطينيين، لا تختزل، فقط، عددهم بمن تشردوا خلال النكبة، بل تستثني نسلهم من الأجيال اللاحقة، عند الوقوع بمغالطات تاريخية ورقمية أممية مؤطرة في تعريف “الأونروا”، التي أنشئت بقرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8/12/1949، للاجئ الفلسطيني بأنه “الشخص الذي كانت إقامته الطبيعية في فلسطين لمدة لا تقل عن سنتين قبل الحرب الإسرائيلية– العربية عام 1948، والذي فقد بيته وسبل معيشته نتيجة الصراع، وبحث عن ملجأ في المناطق التي تضم اليوم الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى المتحدرين المباشرين من اللاجئين المسجلين، باعتبارهم جميعاً مستحقين لمساعدات الوكالة”.
وطبقاً لهذا التعريف الأممي؛ فإن عدد الفلسطينيين الذين هُجروا بفعل العدوان الصهيوني يتراوح ما بين 800- 900 ألف لاجئ، بينما يُقدر عديدهم اليوم بنحو 5.266 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى “الأونروا”،  منهم زهاء مليوني لاجئ فلسطيني، بنسبة 42 %، في الأردن.
وبحسب منظمة التحرير؛ فإن “قرار رامب بوقف التمويل للأونروا، لا يغاير، فقط، موقف الإدارات الأميركية السابقة، حيث كانت الولايات المتحدة، طيلة أكثر من خمس وستين سنة، المانح الفردي الأكبر للوكالة، وإنما يهدد واحداً من أكثر مساعي التنمية البشرية نجاحاً وابتكاراً في منطقة الشرق الأوسط، بوصف “الأونروا” عامل أمن واستقرار اقليمي، وليس عبئاً على القضية الفلسطينية أو المنطقة، فضلاً عن التحديات الحادة الناجمة عنه والتي تنعكس مباشرة على اللاجئين الفلسطينيين”.

مقالات ذات صلة