“الحد الأدنى” فرحة منقوصة

أحمد الحسبان

حرير- كان من الممكن تمرير قرار اللجنة الثلاثية برفع الحد الأدنى للأجور بـ “290 دينارا” دون أي تحفظات تذكر، وكان من الممكن أن تقتصر التحفظات على مقدار الزيادة الذي جاء مختلفا عن طموح العمال وقريبا من رغبة أصحاب العمل، ومرضيا للحكومة التي اعتبرته إنجازا يسجل لها، فيما لو اقتصرت فترة سريانه على عام واحد، أو أنه ترك بدون تحديد فترة بدلا من مده ليغطي ثلاث سنوات مقبلة.

فالقرار القاضي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 290 دينارا بدلا من 260، استجاب- نسبيا- لمطالب العمال المدعومة نيابيا، والتي تركزت على مبلغ 300 دينار، ومقترحات منتدى الإستراتيجيات الأردني الذي أعد ورقة متخصصة خلصت إلى ضرورة الرفع ليصبح الحد الأدنى ما بين 288 إلى 300 دينار. مشيرة – الورقة – إلى ارتفاع عدد المستفيدين من تلك الخطوة إلى أكثر من 400 الف عامل كلهم مشتركون في الضمان الاجتماعي وتقل رواتبهم الشهرية عن 300 دينار.

كما جاء القرار استجابة لرغبة الحكومة بحل إشكالية الأجور التي لم يرتفع حدها الأدنى منذ العام 2021 ، وبقيت ثابتة عند مبلغ 260 دينارا، بدعوى حاجة القطاع الخاص إلى الدعم نتيجة موجة كورونا التي تركت أثرا سلبيا على مختلف مناحي الحياة. حيث بدا القرار وكأنه قد تناسى ما لحق بالعمال من ضرر كبير، ومثل استمرارا للانحياز للقطاع الخاص.

فوسط حالة التفاؤل التي سادت، والتأييد الواسع على مستوى الشارع لمثل تلك الخطوة منذ ما قبل طرحها على المستوى الحكومي، وعلى الرغم من التحفظات الواسعة من قبل أصحاب العمل، فوجئ المعنيون من مختلف الأطراف بأن قرار الرفع يمتد للفترة ما بين 1/ 1 / 2025 و 31 / 12 / 2027. ما يعني أنه لن تكون زيادة أخرى على مدى ثلاث سنوات مقبلة.

وبذلك تكرر لجنة الأجور المشكّلة من العمال وأصحاب العمل والحكومة ما حدث في العام 2021، مع فارق جوهري يتمثل بانتشار وباء الكورونا في تلك الفترة والاعتقاد السائد بأن القطاع الخاص لا يحتمل أي زيادة في الأجور بسبب تداعيات ذلك الوباء.

فالقرار المتخذ في العام 2020، ينص على بندين، الأول رفع الحد الأدنى للأجور إلى 260 دينارا، وزيادات سنوية خلال الأعوام المقبلة تغطي نسبة التضخم.

غير أن الحد الأدنى بقي كما هو حتى نهاية العام الحالي 2024، دون أي زيادة بما في ذلك نسبة التضخم التي تشير حسابات الدوائر الرسمية، والمراكز المتخصصة أنها تعني مبلغ 21 دينارا لتلك الفترة.

بمعنى أن الحد الأدنى للأجور كان من المفترض أن يكون 281 دينارا منذ بداية العام الحالي 2024. وهي “الحسبة” التي لم يسلّم بعض القانونيين بصحتها استنادا إلى جملة من المعطيات تتقدمها عملية التشكيك بسلامة ودقة بعض الاحصائيات التي تصدرها مرجعيات حكومية، واعتقاد البعض بأن تلك الإحصائيات قد تكون مسيّسة، ومحكومة بأبعاد سياسية داخلية وخارجية.

وبين هذه وتلك، هناك من يرى أن اعتماد نسبة التضخم في تحديد الحد الأدنى للأجور ينطوي على مخالفة قانونية، حيث ينص قانون العمل على ربطه بتكاليف المعيشة، كمفهوم يختلف جذريا عن التضخم.

فتكاليف المعيشة- وفقا لبعض الآراء القانونية- تقاس بناء على احتياجات العامل وأسرته من المتطلبات الأساسية للحياة، بينما التضخم يعكس الزيادة العامة في أسعار السلع والخدمات.

وبحسب الخبراء فإن الحد الأدنى اللازم لتغطية نفقات الفرد الواحد بشكل طبيعي يبلغ حوالي 350 دينارا شهريا، دون احتساب كلفة إيجار المسكن، التي تقدر بمبلغ يتراوح ما بين 250 إلى 400 دينار.

أما تقرير البنك الدولي للعام 2023 فقد كشف أن ثلث الأردنيين فقراء، وأن خط الفقر للفرد الواحد يقدر بـ168 دينارا شهريا” أقل من 8 دولارات يوميا”.

لذلك فمن المهم أن تعمد الحكومة ومجلس النواب إلى حسم تلك القضية الخلافية، بحيث تكون الزيادة السنوية ملزمة وحق من حقوق كل العمال، وبحد أدنى يتمثل بنسبة التضخم.

وهذا يستدعي تعديل قانون العمل، والنص صراحة على إلزام القطاع الخاص بزيادة سنوية تساوي أو تزيد على نسبة التضخم. وبحيث تحتسب تلك النسبة تلقائيا وبدون لجنة أو مناقشات. بدلا من أن تخضع العملية إلى لجنة تتقاطع مصالحها، ويصعب أن تجمع على مثل هذا القرار، وقد تلجأ إلى تسويات لا تتواءم مع مصالح العمال.

مقالات ذات صلة