دول صاعدة ونامية أمام ملامح عالم جديد

بيير ريمون

حرير- خريطة العالم تغيرت، لهذا السبب، تسعى الدول الصاعدة والنامية لإثبات نفسها في المنصة العالمية أكثر من أي وقت مضى، في سياق سياسي واستراتيجي يفرضه نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب في طور التكوين. هكذا توسعت مجموعة دول البريكس فتعدى عدد أعضائها دولها المؤسسة (البرازيل وروسيا والهند والصين وافريقيا الجنوبية) – وهي الدول الخمس التي تعد صاحبة أكبر نمو اقتصادي في العالم. تشمل المجموعة من الآن فصاعدا دولا أخرى أعضاء في مجموعة العشرين، ما يوحي بعمل مشترك للمجموعتين مستقبلا.

في ظل هذا السياق الذي تسعى فيه هذه الدول إلى ترسيخ نفوذها الدولي، ليس أمرا مستغرباً أن نلاحظ اهتماما عربيا بالانضمام إلى تكتلات الدبلوماسية الموازية مثل مجموعة البريكس. فقد تقدمت حتى الآن خمس دول عربية بطلب الانضمام إلى البريكس – أربع دول نفطية وهي المملكة العربية السعودية والإمارات والجزائر والكويت، بالإضافة إلى مصر، الإمارات ومصر انضمتا فعليا إلى باقي أعضاء التكتل الجدد (إيران، الأرجنتين وإثيوبيا). وتعي الدول العربية النفطية أنها، بهذه العضوية، قد تستفيد من تحسين علاقاتها مع الصين والهند، أي المستهلكين الرئيسيين للنفط.

يدور الحديث حاليا عن إنشاء عملة خاصة داخل البريكس، ما سيدفع المجموعة باتجاه كسر هيمنة الدولار، حينها، قد تخفف العملة البديلة الضغط على عملات محلية كثيرة، خاصة في دول مرت بعملية خفض قيمة العملة مثل مصر، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه – على الرغم من التسهيلات والفوائد الاقتصادية التي تمنحها المجموعة لأعضائها، ثمة احتمالية بوقوع صدام بين دول التكتل والدول الغربية، لتجاوز البريكس طبيعته الاقتصادية الأصلية إلى تكتل جيوسياسي يرسم ملامح عالم جديد متعدد الأقطاب. وهذا ما جعل السعودية لم تحسم قرار الانضمام لحد الآن، لكونها تتجنب اتخاذ خطوات قد تثير التوتر في علاقاتها مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فالحذر هنا سياسي واقتصادي في آن واحد.. لكن لكون المملكة تتطلع إلى التحول إلى مركز صناعي ولوجيستي في منطقة الشرق الأوسط، لا بد لها من الحفاظ على توازن استراتيجي يوفر لها، كما ترى الصين، وهي أكبر مستورد للنفط، فرصة للانضمام إلى مجموعة فاعلة تمثل «ثقلا موازيا» للغرب. «المشاركة في كل المنصات المهمة»، رغبة تقود الطموحات التركية في هذا السياق أيضا. لم يؤكد الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جيليك، طلب تركيا الرسمي بالانضمام، لكنه قال «إن هناك عملا جارياً في هذا الصدد»، وهنا نقطة مهمة كون أن بإمكان تركيا أن تلعب دور همزة وصل بين حلف الناتو الذي هي عضو فيه، والكتلة الغربية.

فمن جهة، يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شركاء تركيا التجاريين، لكن من جهة أخرى، تحافظ تركيا في الوقت نفسه على علاقاتها الاقتصادية مع روسيا. والجانب الغربي يعلم ذلك، سواء الاتحاد الأوروبي، الذي يغض الطرف عن التبادلات التركية الروسية المتنامية، أو الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة اللتين تشاركان المجموعة الأوروبية فكرة أن العضوية التركية ستمنع أن يتحول البريكس من «تكتل غربي» إلى «منظمة مناهضة للغرب.»

تحالف اقتصادي غير غربي إذن، يمثل لعدة دول موصوفة بالنامية أو الصاعدة منطلقا لتحقيق مكاسب ينظر إليها غربا، تحت مجهر شراكة رابح رابح، وشرقا كآلية لتعزيز دبلوماسية موازية. بوضوح، نحن أمام خطوة شمولية تهدف إلى إقامة توازن استراتيجي يحدد ملامح عالم جديد.

مقالات ذات صلة