
دورة برلمانية صعبة على الحكومة
سلامة الدرعاوي
حرير- بانعقاد الدورة البرلمانية الثانية لمجلس الأمة اليوم الأحد، تدخل الحكومة في اختبارٍ حقيقي، رغم أنه ليس مطلوبًا منها التقدّم ببرنامج عمل لنيل ثقة النواب، لكن المناخ الراهن وكواليس شكل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يدلان على أن الدورة الحالية ستكون– من قبل النواب تحديدًا– صعبة على الحكومة لعدة أسباب.
أولًا: شكل العلاقة الشخصية بين رئيس الحكومة وغالبية النواب لا يسير بالشكل التقليدي الذي اعتاد عليه أعضاء مجلس النواب، فهذا الرئيس– جعفر حسّان– ليس من تلك المدرسة التي تعتمد على نظام الأعطيات و«الطبيخ» والجاهات واللّمّات وغيرها، فقد كان حريصًا منذ اليوم الأول لتولّيه المنصب على أن يبني علاقة مؤسسية وبرامجية مع كل الجهات المسؤولة في الدولة، من دون أن تكون هناك خصوصية في العلاقة، وتحديدًا مع النواب، وهو ما لا يعجب كثيرين منهم بتاتًا.
النقطة التصادمية الجديدة هي أن غالبية أعضاء مجلس النواب من الجدد، وقد مرّت الدورة البرلمانية الأولى بين مدٍّ وجزر، لعبت فيها رئاسة المجلس السابقة دورًا رئيسا في إدارة «تخدير» المشهد ما بين وعودٍ ومطالب اصطدمت في النهاية بعدم تلبية غالبيتها، وهو أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت غالبية هؤلاء النواب إلى الانقلاب على الرئاسة السابقة، التي باتت كلفتها عالية على المشهد السياسي في الدولة، خاصة بعد دخولها في معترك الصراع الخدمي مع أجهزة الدولة المختلفة.
والكلّ يتذكر مشهد الصراع العلني تحت القبة مع وزير المالية ومدير الضريبة، اللذين كانا قد رفضا له معاملات مالية مخالفة للقانون، وهنا قد تجد الرئاسة الجديدة للمجلس ضغوطًا كبيرة عليها لتهدئة هذا المشهد وإعادة التوازن المؤسسي بين الحكومة والنواب.
الدورة الجديدة ستكون ضاغطة على الحكومة لطبيعة مشاريع القوانين التي ستكون على رأس أجندة العمل النيابي فيها، ابتداءً من مشروع قانون موازنة عام 2026، الذي سيكون مساحة هائلة للصراخ النيابي وتفريغ غضبهم على الحكومة، ونشر مطالبهم الخدمية وانتقاداتهم مباشرة أمام ناخبيهم.
ولا ننسى أيضًا مشروع القانون المعدِّل لقانون الضمان الاجتماعي، الذي بموجبه سيتم تقنين ما يُعرف بالتقاعد المبكر، ناهيك عن احتمالات كبيرة لرفع سنّ تقاعد الشيخوخة، وهذا أيضًا سيكون منصة هجومٍ نيابيٍّ كبيرة تُوجَّه ضد الحكومة.
أمّا مشروع القانون الأكثر جدلًا فسيكون مشروع قانون الملكية العقارية، الذي كانت الحكومة قد سحبته من المجلس في الدورة الماضية بعد استياءٍ عام في الشارع من مختلف الجهات حول عددٍ من بنوده، خاصة فيما يتعلق برسوم المسقفات التي فشلت الحكومة والنواب معًا في شرحها للرأي العام، وكاد الأمر أن يتطور بشكلٍ سلبيٍّ جدًا، مشابهٍ لما حدث في مشروع قانون الضريبة عام 2018.
كما أن مشروع القانون المعدِّل لقانون العمل، الذي يتيح الاستغناء عن العاملين في المنشآت المختلفة بنسبٍ معينة دون التعويض أو حتى اللجوء إلى المحاكم العمالية، سيكون محلّ صراعٍ ومساحةٍ شعبويةٍ أمام السادة النواب.
الحكومة ستواجه حملاتٍ شعبويةً كبيرة، وعليها أن تدرك أن الحوار المسبق مع كافة الجهات حول مشاريع القوانين السابقة سيكون ضمانةً أساسية لتخفيف حدّة التوتر في العلاقة بين أطراف المعادلة.
وفي اعتقادي أن النواب والحكومة معًا تأخّرا كثيرًا في تأسيس حوارٍ وطنيٍّ حول بعض المشاريع السابقة، إلا إذا كان هناك توجهٌ خفيٌّ في الكواليس بعدم طرح بعضها على المجلس في هذه الدورة.
أجزم أن رئيس الوزراء والسادة أعضاء الحكومة سيدخلون امتحانًا حقيقيًا مع مجلس النواب، وحينها سيتضح جليًا مدى قدرة الحكومة على التعاطي مع منعطفاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ حقيقية، وحينها ستنكشف مواطن الضعف والقوة لدى الحكومة، فهل ستصمد الحكومة ممثلة برئيسها في أسلوبها المؤسسي مع النواب؟ أم أنها ستلحق بسابقاتها من الحكومات في إدارة العلاقة ضمن صفقات تعقد بالكواليس؟



