
ترامب وبوتين والحرب في أوكرانيا
صادق الطائي
حرير- بعد سنوات من التحقيقات التي أجرتها هيئات حكومية أمريكية عديدة مثل، وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي والكونغرس الأمريكي، يبقى الجمهور الأمريكي حتى اليوم لا يملك أي فكرة عما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لديه «شيء» عن ترامب أم لا. بعبارة أخرى، هل يمتلك الروس معلومات محرجة حول ماضي الرئيس السابع والأربعين؟ هل يملك الروس ما يطلقون عليه(كومبرومات) أي المعلومات المسيئة التي قد يتم استغلالها لغرض الابتزاز السياسي ضد الرئيس ترامب؟ هذا ما لم يتم إثباته بشكل قاطع حتى الآن.
لكن إذا أردنا تتبع مسار العلاقة المريبة التي ربطت الرئيسين ترامب وبوتين فيمكننا القول، إننا وبعد ثماني سنوات من تحقيقات المكتب الفيدرالي في هذه القضية، لا يزال مسؤولو الأمن القومي في حيرة من ظاهرة احترام الرئيس الأمريكي ترامب المبالغ بها للرئيس الروسي بوتين، فضلا عن الغموض الدائم حول علاقة ترامب، التي استمرت عقودا من الزمان مع المستثمرين والممولين الروس والسوفييت السابقين، والذين ساعد بعضهم في إنقاذ أعماله الفاشلة قبل سنوات.
لذا فإن المراقبين ما زالوا يطرحون الأسئلة نفسها التي طرحوها قبل ثماني سنوات.. هل ترامب بطريقة ما مرشح الروس الخاضع لسيطرة موسكو، أو المدين لها بطرق لا نعرفها وربما لن نعرفها أبدا؟ أم أن معاملة ترامب المميزة لبوتين هي في الأساس مجرد مظهر من مظاهر إعجابه، الذي غالبا ما يعبر عنه للحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان؟ يقول النائب العام ميريك جارلاند؛ «وجهت الدائرة الداخلية لبوتين، بما في ذلك نائب رئيس الأركان الأول للمكتب التنفيذي الرئاسي سيرجي كيريينكو، شركات العلاقات العامة الروسية للترويج للمعلومات المضللة والروايات التي ترعاها الدولة كجزء من حملة تأمين النتيجة المفضلة لروسيا في انتخابات 2016». أما أندرو غولدشتاين وهو محامٍ كبير سابق في وزارة العدل ومؤلف مشارك لكتاب جديد بعنوان (التدخل: القصة الداخلية لترامب وروسيا وتحقيق مولر) فيذكر: «في بعض النواحي، نجد أن هذا الدفع لمصادر إعلامية لنشر القصص، أكثر وقاحة من بعض الأنشطة التي حققنا فيها». وأضاف غولدشتاين: «يجب أن يشعر الأمريكيون بالقلق إزاء حقيقة أن روسيا تدخلت بشكل كبير للغاية في انتخابات عام 2016، لدعم فوز ترامب، وهم يفعلون ذلك مرة أخرى بكل مقياس تمكنا من رؤيته علنا. يجب على الناس أن يستمروا في محاولة معرفة حقيقة الأمر». ويقول هؤلاء المسؤولون السابقون أن القضية الأكثر إلحاحا هي ما سيحدث بعد فوز ترامب وتنفيذ وعده بحل حرب أوكرانيا بسرعة، إذ ألمح ترامب إلى أنه سيعطي بوتين على الأقل بعض ما يريده الرئيس الروسي، خاصة الأجزاء من أوكرانيا التي احتلها بالإضافة إلى تعهد بإبقاء أوكرانيا خارج الناتو.
يذكر أن واشنطن قدمت عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لأوكرانيا، منذ غزوها من قبل روسيا في فبراير 2022، ووفقا لمكتب المحاسبة الحكومية، خصص الكونغرس أكثر من 174 مليار دولار لأوكرانيا في عهد بايدن، وهو التمويل الذي انتقده ترامب مرارا وتكرارا وحشد ضده الرأي العام الامريكي. وأصر ترامب العام الماضي على أن بوتين لم يكن ليغزو أوكرانيا أبدا لو كان هو في البيت الأبيض في ذلك الوقت. وقال لرويترز إن أوكرانيا قد تضطر إلى التنازل عن أراضٍ للتوصل إلى اتفاق سلام، وهو ما يرفضه الأوكرانيون ولم يقترحه بايدن قط. قال أندرو ماكابي القائم بأعمال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق: «على مستوى السياسة الخارجية، من الواضح أن هذا هو أكبر مصدر للقلق. أن وعد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا في يوم واحد لا يمكن أن يتم إلا بطريقة واحدة، وسيكون ذلك مهزلة مطلقة يمكن أن تعني نهاية حلف شمال الأطلسي. ونحن نتذكر أن ترامب هو الرئيس الوحيد الذي كرر تفاعلات فردية غير خاضعة للمراقبة وغير مشهودة مع فلاديمير بوتين، حيث وقف أمام العالم وأخبرهم أنه يصدق بوتن أكثر من تصديقه لوكالات استخباراته الخاصة». ويذكر الكاتب والصحافي بوب وودوارد في كتابه الأخير المعنون «الحرب» أن الاتصالات بين ترامب وبوتين استمرت بعد مغادرة ترامب للرئاسة،. وأفاد وودوارد أن ترامب تحدث إلى بوتين ما يصل إلى سبع مرات بعد مغادرته الرئاسة وأنه في وقت ما، في عام 2024، طلب من أحد كبار مساعديه مغادرة الغرفة في قصره في مار إيه لاغو حتى يتمكن من «إجراء ما قال إنه مكالمة هاتفية خاصة» مع الزعيم الروسي. ويذكر مايكل هيرش كبير المراسلين في مجلة «فورين بوليسي في مقال له عن الموضوع نشر مؤخرا: «قبل حوالي ثلاثة عقود من الزمان، عندما كانت أعمال ترامب تنهار تحت وطأة الفشل تلو الفشل، وتعلن إفلاسها مرارا وتكرارا – ما جعله شخصا غير مؤتمن بالنسبة للبنوك الأمريكية – لعبت الأموال الأجنبية دورا مهما في إحياء ثروته». ويوضح هيرش: «على وجه الخصوص، استفاد ترامب من استثمارات الأثرياء من روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة، وبعضهم من القِلة الحاكمة المرتبطة ببوتين. جاءت الأموال الأجنبية في البداية بشكل شراكات عقارية جديدة، وشراء العديد من شقق ترامب السكنية، كذلك استفاد ترامب من المساعدة المقدمة من مجموعة بايروك، التي يديرها توفيق عارف، وهو مسؤول سوفييتي سابق من مواليد كازاخستان، الذي استمد أمواله من مصادر غير معروفة من الجمهورية السوفييتية السابقة. وفيليكس ساتر، رجل أعمال من مواليد روسيا اعترف في التسعينيات بذنبه في مخطط احتيال ضخم في الأسهم، تورطت فيه المافيا الروسية. كما أن بعض البنوك الأجنبية ومجموعات الاستثمار التي استخدمها ترامب كانت لها علاقات بالكرملين وغاسلي الأموال الروس المرتبطين ببوتين، وفقا لمسؤولين أمريكيين».
بعد فوز ترامب بالانتخابات الاخيرة استجابت موسكو في البداية ببرود لهذا الفوز، حيث قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين، إن بوتين ليس لديه خطط للاتصال بالرئيس القادم لـ»دولة غير صديقة متورطة بشكل مباشر وغير مباشر في حرب ضد دولتنا». لكن يوم الخميس 7 نوفمبر، هنأ بوتين ترامب علنا على فوزه، وأشاد برده «الرجولي» على محاولة الاغتيال في بنسلفانيا، وقال إنه «مستعد» للتحدث مع ترامب. وفي وقت سابق من يوم الأحد 10 نوفمبر، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» خبرا عن مكالمة هاتفية جرت بين ترامب وبوتين، نقلا عن مصادر لم تحدد هويتها، وقالت إن ترامب أبلغ بوتين أنه ينبغي له عدم تصعيد حرب أوكرانيا. لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف نفى يوم الاثنين 11 نوفمبر الخبر، وأوضح أن المكالمة لم تحدث أصلا وقال للصحافيين:» هذا غير صحيح تماما. هذا محض خيال، إنها مجرد معلومات كاذبة. لم تكن هناك محادثة». وأضاف «هذا هو المثال الأكثر وضوحا على جودة المعلومات التي يتم نشرها الآن، وأحيانا حتى في منصات إعلامية ذات سمعة طيبة إلى حد ما». وعندما سئل عما إذا كان بوتين لديه خطط لأي اتصالات مع ترامب، قال بيسكوف: «لا توجد خطط ملموسة حتى الآن». من جانب آخر عندما سئل عن المكالمة الهاتفية بين ترامب وبوتين، قال ستيفن تشيونج، مدير اتصالات ترامب:»نحن لا نعلق على المكالمات الخاصة بين الرئيس ترامب وقادة العالم الآخرين».
من جهته قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يوم الأحد 10 نوفمبر في برنامج «Face the Nation» على شبكة سي بي إس نيوز: «ستتاح للرئيس بايدن الفرصة خلال الأيام السبعين المقبلة لتقديم القضية إلى الكونغرس والإدارة المقبلة. وإن الولايات المتحدة ينبغي لها أن لا تبتعد عن أوكرانيا، وأن الابتعاد عن أوكرانيا يعني المزيد من عدم الاستقرار في أوروبا». وعندما سُئل عما إذا كان بايدن سيطلب من الكونغرس تمرير تشريع للسماح بمزيد من التمويل لأوكرانيا، أرجأ سوليفان الأمر للرئيس. وقال: «لست هنا لتقديم اقتراح تشريعي محدد. سيؤكد الرئيس بايدن أننا بحاجة إلى موارد مستمرة لأوكرانيا بعد نهاية ولايته». وقد علق السيناتور الجمهوري بيل هاجرتي حليف ترامب الذي يعتبر من كبار المسؤولين عن تصريحات الدعم الامريكي لاوكرانيا قائلا: «يريد الشعب الأمريكي حماية السيادة هنا في أمريكا، قبل أن ننفق أموالنا ومواردنا لحماية سيادة دولة أخرى».