
الاختيار بين ترامب وهاريس: أين يتجه العرب ولماذا؟
عبدالله مبيضين - اوهايو
مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، يجد العرب في الولايات المتحدة وحول العالم أنفسهم أمام سؤال جوهري حول المرشح الأنسب الذي قد يخدم مصالحهم ويستجيب لتطلعاتهم.
الرئيس الجمهوري الأسبق دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، يمثلان رؤيتين متباينتين للسياسات الداخلية والخارجية، ولدى كل منهما مؤيدون ومعارضون بين “الأمريكيون العرب”، ومواطنو المنطقة العربية بطبيعة الحال.
ترامب: صفقة لتحقيق الاستقرار أم تهديد للاندماج الاجتماعي؟
يجد بعض “الأمريكيون العرب” في ترامب خيارًا جذابًا بسبب كونه رجل أعمال بنهج براغماتي قادر على عقد الصفقات. فقد كان له دور بارز في إطلاق “اتفاقيات أبراهام”، والتي اعتبرها البعض خطوة نحو إحلال سلام في الشرق الأوسط. كما يُنظر إلى استقلاله النسبي عن “اللوبيات” الكبيرة في واشنطن ميزة تجعله أكثر قدرة على صناعة القرار، خصوصا فيما يتعلق بالمنطقة العربية ومواجهة مشروع إيران النووي وكبح جماح أذرعه في المنطقة.
لكن سياسات ترامب الداخلية تثير بعض القلق؛ فهو معروف بمواقفه المتشددة تجاه الهجرة، ونيته اتخاذ إجراءات صارمة بحق “المهاجرين غير القانونيين”، ما قد يؤثر سلباً على قرار بعض أبناء الجالية العربية الإنتحابي. إلى جانب ذلك، يتميز ترامب بتوجهاته المحافظة التي تتماشى مع مواقف بعض العرب الأمريكيين، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا حقوق المثليين والإجهاض.
كامالا هاريس: تجربة جديدة أم استمرار لسياسات أوباما وعجز بايدن؟
في الجانب الآخر، تُعد هاريس الوجه الجديد والمعتدل للحزب الديمقراطي، وتعبر عن التزام بقيم “حقوق الإنسان”، وهي القيم التي عجزت أمريكا وأوروبا والمنظمات الدولية عن إثبات دعمها ومساندتها بشكل فعلي خلال الحرب المستعرة في المنطقة!
يرى مؤيدو هاريس بأن لديها رؤيا تستند إلى “العدالة الاجتماعية”، وأنها ستكون أكثر دعمًا للأقليات والمهاجرين. كما يعوّل البعض على قدرتها في تحقيق توازن أفضل في السياسة الخارجية الأمريكية، مع تقديم منظور مبني على التعاون الدولي بدلاً من الصفقات أحادية الجانب.
لكن المعارضين لها يعتقدون بأن تجربتها المحدودة في السياسة الخارجية قد تجعلها خاضعة لتأثير “الدولة العميقة”، كما يثير دعمها لحقوق المثليين والإجهاض تحديات ثقافية لبعض أفراد الجالية العربية. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر البعض أن سياسات الديمقراطيين في عهد أوباما، والتي شهدت اضطرابات “الثورات العربية” وصعود “الإسلام السياسي”، لم تكن في صالح استقرار المنطقة، ويرون أن هاريس قد تتبع نفس النهج.
اختلاف التصريحات الانتخابية عن الواقع العملي
من المهم ملاحظة أن الحملات الانتخابية تختلف عن سياسات الحكم الفعلية. فقد أظهرت التجربة أن وعود الحملات كثيرًا ما تكون شعارات لجذب الناخبين، في حين يفرض الواقع المؤسسي قيودًا على أي رئيس في تنفيذ سياساته بالكامل. فالكونغرس ومؤسسات “الأمن القومي” يلعبان دورًا أساسيًا في توجيه السياسات الداخلية والخارجية، ما يعني أن القدرة الفردية للرئيس على إحداث تغيير جوهري تبقى محدودة.
الدور العربي في الولايات المتحدة وخارجها
في ظل تعقيدات السياسة الأمريكية، يدرك الكثير من العرب أن تأثيرهم لا يرتبط بمن سيكون في البيت الأبيض بقدر ما يعتمد على قدرتهم على تحقيق أهدافهم المشتركة. لا يمكن إنكار أن المنطقة العربية نفسها قد أسهمت في تشكيل السياسة الأمريكية تجاه قضاياها عبر عدم توحيد مواقفها واختلاف رؤاها حول القضايا الدولية. في الواقع، يعد بناء جسور التعاون العربي خطوة أساسية لتحسين التأثير على السياسة الأمريكية بصرف النظر عن هوية الرئيس المقبل.
بين خيارين وحدود التأثير
تاريخياً، يتعين على العرب أن يأخذوا بعين الاعتبار أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط لم تكن مرتبطة بشكل كبير بهوية الحزب الحاكم، بل كانت تتأثر بمدى التعاون والتنسيق بين الدول العربية واستثمار ذلك بالتأثير. فالتغيرات الجوهرية في المنطقة لا تعتمد فقط على من يشغل البيت الأبيض، بل على مدى استعداد العرب لاتخاذ مواقف موحدة والاستفادة من أدواتهم لتعزيز مصالحهم.
ملاحظات لعرب أمريكا !
– تطور الأحزاب: لم تعد الأحزاب الأمريكية كالسابق، إذ تباينت الطروحات السياسية وظهرت تيارات مختلفة داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
– حقيقة السلطة التنفيذية: ينبغي توخي الحذر من الوعود الانتخابية التي تستهدف استقطاب الناخبين، حيث يتم تنفيذ القرارات داخل سياق مؤسسي معقد، يتجاوز صلاحيات الرئيس.
– القضايا الاجتماعية والمحلية: قضايا مثل حقوق المثليين والإجهاض تُعالج عادةً على مستوى الولايات، مما يقلل من تأثير الرئاسة عليها بشكل مباشر. يتعين على العرب الأمريكيين الانخراط في الانتخابات المحلية التي تمس مصالحهم مباشرة.
دور العرب في صياغة المستقبل
في خضم هذا الجدل، يبقى التحدي الأكبر للعرب، سواء في الولايات المتحدة أو في العالم العربي، هو تعزيز قدرتهم على التأثير في السياسة الأمريكية بشكل مستقل عن هوية الحزب الحاكم في البيت الأبيض. لقد أثبتت التجارب التاريخية أن تحقيق التغيير الحقيقي في المنطقة لا يعتمد فقط على توجهات واشنطن، بل يتطلب صياغة مواقف عربية موحدة تستند إلى التعاون والتنسيق بين الدول العربية، وتطوير سياسات تنموية واقتصادية مستقلة تدعم الاستقرار والسلام.
بين خيارين وحدود التأثير
في النهاية، قد لا تكون المسألة ببساطة في اختيار ترامب أو هاريس. يظل مستقبل المنطقة العربية رهينًا بإرادتها وقدرتها على توحيد رؤيتها بما يتناسب مع مصالحها.
يحتاج العرب، سواء في الداخل الأمريكي أو في العالم العربي، إلى الاستفادة من الأدوات السياسية والاقتصادية المتاحة لتعزيز مصالحهم بصرف النظر عن الرئيس القادم، والتركيز على مشاريع تنموية وسلام مستدام بعيداً عن الشعارات التي قد لا تجدي في عالم اليوم.