الفتنة الداخلية التي يتم توليدها
ماهر أبو طير
حرير- أكثر ما يلفت الانتباه أن العربي لا يحتمل العربي، وابن البلد لا يحتمل ابن البلد، خصوصا، في ظروف الأزمات، والنماذح التي يمكن الإشارة إليها هنا كثيرة، ومتعددة.
كل الكلام عن استحقاقات الوطنية والمواطنة والوطن، مجرد أناشيد في كتب الابتدائي، وبقايا قصائد شعرية لشعراء عرب عاشوا في المنافي أصلا، وتركوا بلادنا للفقراء الذي احبوا بلادهم، أو للمفلسين الذين لا يعرفون موقع مطارات بلادهم، وللمتخمين الذي تتساوى لديهم الأماكن.
يقول وزير الداخلية اللبناني عبدالله بو حبيب، أن أكثر ما يقلق بلاده هو الفتنة الداخلية، كأحد تداعيات العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، نتيجة توسع الاحتكاكات بين النازحين اللبنانيين وسكان المناطق التي نزحوا إليها، مشيرا إلى أن معظم المناطق اللبنانية التي لم تتعرض للقصف والدمار حتى الآن تحولت إلى ملجأ ومأوى لمليون وأربعمائة ألف نازح.
المناطق التي لجأت اليها كل هذه الأعداد اما سنية، أو مناطق ثانية مسيحية أو درزية، والنازحون هنا من جنوب لبنان، وأغلبهم من اللبنانيين الشيعة والمسيحيين والسنة أيضا، مع أعداد كبيرة من السوريين السنة، وبرغم ظروف الحرب تشاهد فيديوهات وتسمع تصريحات، كلها تؤشر على توتر طائفي ومذهبي، غير مسبوق، ولا كأن التوقيت توقيت تضامن وطني.
السني مثلا لا يريد رؤية الشيعي، وقد رأينا فيديوهات في طرابلس لبعض شبابها يهاجمون سيارات الجنوبيين التي وصلت اليهم، وينزعون عنها ملصق صورة حسن نصر الله.
السوري النازح الى مناطق ثانية في لبنان، يجد وقتا ليشمت بأهل جنوب لبنان، وبحزب الله، بذرائع الحرب الأهلية في لبنان ودور حزب الله فالقتيل السوري يشمت بالقتيل اللبناني، وقد كان الأولى أن يسكت، والمسيحي اللبناني أيضا، لا يريد استقبال أحد حرصا على نقاء مناطقه، وتحوطا من استهداف اسرائيل لهذه المناطق، بذريعة وجود قيادات من حزب الله فيها.
يتحدث الوزير عن فتنة داخلية، وهذا أخطر ما في الكلام أي هجوم اللبنانيين على بعضهم البعض في توقيت دموي لا يحتمل ان يحاكم فيه اللبناني لبنانيا ثانيا، ولا يجوز أصلا الطعن بالظهر، وبالطبع هناك حالة تحريض سياسية وأمنية من قوى لبنانية داخلية لها ارتباطات أمنية وسياسية خارج لبنان، من إسرائيل إلى واشنطن مرورا بقوس العواصم، والكل يريد الانتقام من لبنان، وتدمير أي حاضنة شعبية للمقاومة اللبنانية، ويتم توظيف الوضع الاقتصادي السيئ والغلاء وعوامل ثانية، من أجل إشعال النار ضد أهالي جنوب لبنان بصفتهم الأكثر ميلا لصالح حزب الله، في سياقات تفجير لبنان من الداخل وإشعال حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
الدول العربية قابلة للقسمة على اثنين وثلاثة واربعة، وهي دول هشة ضعيفة اجتماعيا، ومركبة على الثنائيات المتناقضة التي يمكن توظيفها في أي مخطط أمني من أي دولة ثانية.
كتبت قبل ثلاثة أشهر في السابع عشر من شهر تموز-يوليو هذا العام هنا في الغد مقالا بعنوان “سيناريو الحرب من الداخل” اعيد نشر هذه الفقرة فقط منه والتي تقول..”السيناريو البديل لدى إسرائيل يقوم على تفجير لبنان من الداخل ويتكون من محطتين مترابطتين، أو منفصلتين عن بعضهما، بهدف حرق لبنان داخليا، والمحطة الأولى تقوم على استعمال شبكات سياسية وأمنية تابعة لإسرائيل، لتفجير الوضع الداخلي ضد سياسات حزب الله، بحيث يؤدي ذلك إلى انفجار حرب أهلية، في ظل غياب الرئاسات الرسمية، وقد يترافق التصعيد السياسي والأمني، مع عمليات تفجير في بيروت بسيارات مفخخة، أو استهداف للبنانيين معروفين، وإشعال موجة اتهامات مذهبية ودينية وطائفية، وهناك قوى لبنانية مستعدة للتورط في هكذا سيناريو”.
اليوم نعبر توقيتا للفتنة في لبنان، تغذية التناقضات المذهبية والدينية والطائفية والسياسية، وتحركه قوى إعلامية من داخل لبنان وخارجه، وتتورط فيه مرجعيات ورؤوس أموال بهدف تفجير لبنان من الداخل، وليس أدل على ذلك مما نراه اليوم في لبنان من تلاوم واتهامات.
تطاول الأيدي والأعناق والألسن على بعضها البعض في الأزمات غير أخلاقي ابدا.