
ما الخطأ في انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية؟
د. فايز أبو شمالة
حرير- تحذر دول الغرب من انزلاق المنطقة إلى حربٍ إقليمية؟ وتحذر أمريكا من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية، ويحذر الكثير من الدول العربية من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية، وهكذا جرت العادة مع المنظمات الدولية، ومع كل الأوساط السياسية المنشغلة بأوضاع الشرق الأوسط، وجميعها يحذر من الانزلاق إلى حرب إقليمية.
لماذا التحذير؟
هل الوضع السياسي القائم حالياً في المنطقة العربية، وضع مكتمل الأركان، ورائع، يتميز بالديمقراطية، وحرية الرأي، وتداول السلطة، ويمتاز بالتعددية الحزبية، والانفتاح الحضاري على المتغيرات العلمية والفكرية، لنخاف على إنجازاتنا السياسية من الانكسار والانهيار جراء اندلاع الحرب الإقليمية؟
وهل الأحوال الاقتصادية لكثير من البلاد العربية ممتازة ومتطورة، بحيث لم يبق جائع في بلاد العرب، ولم يبق عاطل عن العمل في بلاد العرب، وهذه البلاد تشهد التطور الحضاري والصناعي والازدهار العلمي والاقتصادي، الذي يجعلنا نخاف على إنجازاتنا من الضياع والتشتت مع اندلاع حرب إقليمية؟
وهل الأوضاع الاجتماعية والثقافية والعلمية والقضائية في بلاد العرب، قد وصلت إلى درجة الاستقرار والكمال، والراحة النفسية للمواطن العربي، والإبداع العلمي والثقافي والفني والحضاري، لنخاف عليه من الانهيار، إذا ما اشتعلت الحرب الإقليمية؟
إن حال الأمة العربية والإسلامية في الحضيض، على المستويات كافة، إذا قيس بما وصلت إليه دول افريقيا ودول جنوب شرق آسيا، ودول أمريكا اللاتينية، فلا ديمقراطية حقة في بلاد العرب، ولا استقلال حقيقي من الاستعمار الأمريكي والبريطاني والفرنسي والإيطالي والألماني، ولا مصداقية للحديث عن استقلال القرار السياسي في بلاد العرب، ولا مصداقية لانتفاع أهل الشرق بالموارد الطبيعية، التي تجود بها بلادهم، فالغرب الاستعماري شريك للبلاد العربية في كل ما تخرجه الأرض العربية من ثروات، والشركات الاستثمارية شريكة لهم في فضائهم ومائهم وترابهم وقراراتهم وثقافتهم، وحتى في قراءاتهم، بل شريكه لهم في مستقبلهم وشمسهم.
حروب داحس
لماذا تخشى البلاد العربية من الانزلاق إلى حرب إقليمية، والعرب يخوضون في ما بينهم حروب داحس والغبراء على مدار الوقت، وهم يهدرون طاقات شبابهم بشكل مدروس ومتعمد، بهدف عدم الانتفاع بطاقة الإنسان العربي القادر على العطاء، ومن ثم القادر على تغيير معالم الشرق الأوسط، فلا وحدة حال في البلاد العربية، ولا وحدة أهداف وتطلعات للمستقبل في العالم الإسلامي، ولا انسجام اجتماعي، ولا وحدة رؤية بين القوى والأحزاب العربية، ولا موقف سياسي موحد بين البلاد العرب في أعدل قضية عرفها العالم، قضية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة، في الوقت الذي يختصم فيه العرب على صفات الشيطان الأقرع، والشيطان الأنقع، ولا أقرع ولا أصفع من شيطان الأنظمة العربية، الذي أمسى يجرجرهم من ربطات أعناقهم، ومن شاشاتهم المزركشة بالأوهام للتقرب من إسرائيل، والتقارب معها، ونسج العلاقات المميزة، وتبادل السفراء، وتقديم كل أشكال الدعم الغذائي للجيش الإسرائيلي، ليواصل صب نيران حقده على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
لماذا التحذير من الانزلاق إلى حرب إقليمية والأنظمة العربية تتنافس في ما بينها على خدمة إسرائيل، من خلال تمزيق الشعب العربي الواحد إلى شعوب شتى، ومن خلال حرصها على تأجيج الصراعات الداخلية بين الشعوب العربية، حتى تناسوا صراع الوجود مع الكيان الصهيوني، لتغدو الصهيونية أيديولوجية محببة، يحج إليها كل مشتهٍ للسلطة، ويطوف بأركانها كل طامع بسلطان، وكل مريض بوجع المذلة، وهو يتآمر على الإنسان العربي تقرباً للصهيونية، التي سلطت على الشعوب العربية من لا يخاف الله، ومن لا يرحم الناس، وهؤلاء المتسلطون هم الذين يخافون من المتغيرات، وهم الذين ترعبهم المستجدات، ويعملون ألف حساب لانزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية، قد تتساقط معها بعض الأنظمة، وقد تطير في غبار المعركة الكثير من الرؤوس.