الحرب مستمرة… ما خطة المقاومة لـِ«اليوم التالي»؟

عصام نعمان

حرير- أخيراً تمكّنت واشنطن، عبر وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، من تليين تعنّت بنيامين نتنياهو وقبوله تالياً بتنفيذ مقترح الرئيس جو بايدن لوقف الحرب في قطاع غزة، من دون وقفها فعلياً، ومن دون الحاجة إلى موافقة حركة «حماس» على وقفها ايضاً! إذ يقترب هذا الترتيب مما يشبه اللغز، فإن صحيفة «واشنطن بوست» تبرعت بتوفير التفسير المناسب له وجوهره، أن الأمريكيين يفترضون أن قدرات حركة «حماس» العسكرية تمّ تقليصها، بحيث لن تكون قادرة على تعطيل تنفيذ مقترح بايدن بمراحله الثلاث.

بعد عودة غالانت إلى تل ابيب، تكشّفت ما أصبحت تُدعى خطته لـِ»اليوم التالي» للحرب، التي لن تتوقف لسبب جوهري، هو أن «حماس» لن توقف عملياتها القتالية طالما القوات الإسرائيلية باقية في مناطق القطاع. فما تفاصيل «خطة غالانت»؟ يتضح مما سربته وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية أنها تنطوي على الأسس الآتية:

*تشكيل لجنة توجيه يترأسها مسؤول أمريكي، ويشترك في عضويتها ضباطٌ من مصر والأردن، ومن دول اخرى عربية «معتدلة»، مهمتها الإشراف على تنفيذ الخطة.

*تشكيل قوة دولية تُوكل فيها مهام الأمن إلى ضباط من مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والمغرب، على أن يتولى الجانبان القيادي واللوجيستي ضباطٌ أمريكيون يعملون من خارج قطاع غزة.

*تنفيذ الخطة يجري على مراحل، بدءاً من شمال قطاع غزة وصولاً إلى جنوبه.

*تبقى قوات إسرائيلية في محوري فيلادلفيا (جنوب القطاع) ونتساريم (وسطه) بدعوى الضغط عسكرياً على «حماس» لتنفيذ تفاصيل الخطة.

تواجه خطة غالانت هذه تحفظات جدّية من الدول العربية المدعوة إلى المشاركة في عضويتها، ذلك أن بعضها يُصرّ على أن يكون لمنظمة التحرير الفلسطينية (محمود عباس) دور في تنفيذها، بينما يصرّ بعضها الآخر على أن تتضمن الخطة إشارة إلى دولة فلسطينية تكون جزءاً من تسوية متكاملة في المستقبل. لا جدوى من هذه الخطة في الواقع طالما أن «حماس» غير موافقة عليها ولا مشاركة فيها. ولا سبيل إلى موافقة «حماس» إلاّ اذا تضمنت هذه الخطة أو سواها نصّاً يُلزم «إسرائيل» بسحب قواتها من كامل قطاع غزة. ثم، إن عدم موافقة «حماس» على الخطة يعني استمرار قتالها لكيان الاحتلال ما يستتبع، نظرياً على الأقل، عدم موافقة الدول العربية «المعتدلة» على المشاركة في عضوية اللجنة، لئلا تجد نفسها في موقع المناهض المكشوف لـِ»حماس»، أو تجد نفسها بين نيران القوات الإسرائيلية ومجاهدي «حماس» الذين يقاومونها. إذا كان مآل الأمر على هذا النحو، لا يبقى من تفسير للغاية المتوخاة من خطة غالانت إلاّ حرص إدارة بايدن على تهدئة مفاعيل الحرب في قطاع غزة والحدّ من انعكاساتها على جهوده الحثيثة للفوز بولاية رئاسية ثانية في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل من جهة، ومن جهةٍ أخرى لتمكين نتنياهو من تهدئة أهالي الأسرى الإسرائيليين المطالبين بإجراء مفاوضات مع «حماس» لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين لدى حكومة نتنياهو، بالإضافة إلى تهدئة خصوم نتنياهو السياسيين في الداخل المطالبين بوجوب امتناعه عن شنّ حرب على حزب الله في جنوب لبنان ستكون بالتأكيد فاشلة.

كل هذه الواقعات والتطورات والاحتمالات يجب أن تحفّز قوى المقاومة الفلسطينية والعربية، وأطراف محور المقاومة تحديداً، على التفكير في ما يجب أن تكون عليه خطة قوى المقاومة في اليوم التالي، ذلك أن «إسرائيل»، ولاسيما الجناح اليميني العنصري المتطرف في حكومة نتنياهو، ماضية في تنفيذ مخططه التوسعي الذي لا يقتصر على قطاع غزة فحسب، بل يستهدف أيضا فلسطين التاريخية برمتها. فقد رافق الكشف عن مضمون خطة غالانت إعلان حكومة نتنياهو موافقتها رسمياً على تشريع تحويل 5 بؤر استيطانية إلى مستوطنات وضمّها إلى كيان الاحتلال، بالإضافة إلى بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، وفوق ذلك نزع صلاحيات السلطة الفلسطينية عن نحو 20 في المئة من المنطقة المصنّفة «ب» ووضعها تحت سيطرة «إسرائيل»، وبذلك تكون «إسرائيل» قد فرضت سيطرتها على 80 في المئة من مجمل أراضي الضفة الغربية. أكثر من ذلك، بات واضحاً أن وزير المالية بتسلئيل سموترتيش يعتمد نهج المزايدة على نتنياهو في حملة الاستيطان، إذ اعلن بعد إقرار «المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية» (الكابينت) تشريع البؤر الاستيطانية الخمسة، بأن الردّ على كل من يعترف بفلسطين دولةً مستقلة سيكون إنشاء مستوطنة جديدة، وأن الهدف هو لاستقدام مليون مستوطن إلى الضفة بغية منع إقامة دولة فلسطينية. إلى ذلك كله، يجب ألاّ يغيب عن إدراك قادة محور المقاومة أن نجاح قوى المقاومة في اليمن في التفلّت من قبضة نفوذ أمريكا وحلفائها الإقليميين ومشاركتها الفاعلة في نصرة «حماس» وحليفاتها في مقاومة «إسرائيل» بعد اندلاع طوفان الأقصى، وتعاونها مع فصائل المقاومة العراقية في هذا السبيل، سيدفع الولايات المتحدة عاجلاً أو آجلاً إلى عدم الاكتفاء بدعم «إسرائيل» ومخططاتها التوسعية في فلسطين فحسب، بل إلى المبادرة لمواجهة جميع أعداء الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني في المشرق العربي، بغية الحؤول دون تحقيق مطلب وحدة الجبهات، الذي ترفعه القوى الوطنية الحيّة على مستوى الإقليم برمته من شواطئ البحر الأبيض المتوسط إلى شواطئ بحر العرب في المحيط الهندي.

إزاء هذه التحديّات الشديدة الاحتمال قد تجد «حماس» وسائر قوى المقاومة المنضوية في جبهات الإسناد، أن الخيار الاستراتيجي الأفضل في هذه المرحلة هو الاستمرار في القتال لمضاعفة التأزّم الداخلي في «إسرائيل» من جهة، ومن جهة أخرى لتعزيز وتيرة التعبئة الوطنية والقومية في المشرق العربي ضد «إسرائيل» وراعيتها الأمريكية.

مقالات ذات صلة