أن تعترف أرمينيا بالدولة الفلسطينية

أسامة الرشيدي

حرير- أعلنت أرمينيا رسمياً اعترافها بالدولة الفلسطينية، وأصدرت بياناً دعت فيه إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزّة فوراً، لتنضمّ بذلك إلى سلوفينيا وإسبانيا والنرويج وأيرلندا، التي كانت قد اتخذت هذه الخطوة. وردّت إسرائيل، كالعادة، عبر استدعاء السفير الأرميني لـ”توبيخه بشدة”. أثار هذا الخبر ارتباكاً ومشاعرَ متضاربة، فقد جاء قرار الاعتراف من دولة كانت تحتلّ، حتّى وقت قريب جدّاً، نحو 20% من أراضي جارتها أذربيجان، متضمّنة إقليم ناغورنو كاراباخ، الذي أعلن نفسه دولة عرفت باسم “جمهورية أرتساخ”، لم تحصل على أيّ اعتراف دولي، فضلاً عن سبعة أقاليم أخرى. إلّا أنّ أذربيجان استطاعت تحرير أراضيها بالقوّة بعد حرب شنّتها في عام 2020، ثم شنّت هجوماً آخر في عام 2023، تمكّنت عبره من استعادة السيطرة على كامل إقليم كاراباخ.

مثّلت قضية الأراضي الأذربيجانية المُحتلّة إحدى القضايا التي اهتمّ بها العالم الإسلامي في تسعينيّات القرن العشرين، مع قضايا أخرى، ‏مثل المذابح التي ارتكبها الصرب ضدّ المسلمين في البوسنة وكوسوفو، واضطهاد الإيغور في الصين، وقتل مسلمي الروهينغا في ميانمار. لا أزال أتذكّر أول مناسبة عرفت فيها هذه القضية، عبر برنامج أسعد طه “نقطة ساخنة”، على قناة الجزيرة، إذ سلّط الضوء على النزاع بين أرمينيا وأذربيجان في حلقتَين مهمّتَين من البرنامج. وعلى مدار السنوات الماضية، أثارت هذه القضية حماسة تيارات عدّة في العالم الإسلامي، خاصّة أنّها اقترنت بأخبار وفيديوهات مفزعة عن تحويل مساجد في الأقاليم الأذربيجانية المُحتلّة حظائرَ لتربية الخنازير، في إهانة لمشاعر مئات الملايين من المسلمين حول العالم. ولذلك، عمّت مشاعر الفرحة بلدانا إسلامية عدّة بعد استعادة أذربيجان أراضيها، وبُثّت فيديوهات تُظهر تطهير المساجد من الخنازير، وإعادة السكّان إلى قراهم ومدنهم التي أُجبروا على النزوح منها قبل نحو 30 عاماً.

طغت فرحة التحرير، وقتها، في عام 2020، على ما كان معروفاً منذ سنوات عن دعم إسرائيلي قويّ لأذربيجان بالأسلحة المُتقدّمة، فضلاً عن تعاون استخباراتي قوي وعميق، يحقّق لتل أبيب مزايا في صراعها مع إيران. كما تمدّ أذربيجان إسرائيل بنحو 40% من احتياجاتها من النفط. وفي مارس/ آذار من العام الماضي (2023)، افتتحت باكو سفارةً لها في تل أبيب للمرة الأولى. وقبل اندلاع معركة طوفان الأقصى بيومَين، وقّعت وكالة الفضاء الإسرائيلية اتفاقية تعاون، وصفت بأنّها “تاريخية”، في مجال الفضاء مع وكالة الفضاء الأذربيجانية لإقامة مشروعات فضائية مشتركة، بما يشمل تطوير تكنولوجيات الفضاء والأقمار الاصطناعيّة وأنظمة استكشاف الفضاء، والتعاون الأكاديمي والتعليم، وفقاً لما أعلنته وكالة الفضاء الإسرائيلية.

اقتصر الحديث في أثناء حرب ناغورنو كاراباخ على الدعم التركي لأذربيجان بالطائرات المُسيّرة، والذي مثّل أحد العوامل الحاسمة في ترجيح كفّة أذربيجان قي الحرب، وتضاءل الحديث عن العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية ودور السلاح الإسرائيلي في المعركة، مثلما توارى الحديث عن دكتاتورية الرئيس إلهام علييف والمهازل التي يفعلها في بلاده، وأبرزها وراثته الحكم من والده حيدر علييف على طريقة بشّار الأسد الذي ورث “الجمهورية” السورية من أبيه حافظ، قبل إلهام بثلاث سنوات، وربما كان ذلك “إلهاماً” لإلهام. وهو ما حدث بالفعل. والمفارقة أن حيدر علييف تولّى الحكم في أذربيجان، التي كانت لا تزال جمهورية سوفييتية، في عام 1969، قبل حافظ الأسد بعام (!)

تحوّلت أسرة إلهام علييف، مع الوقت، إلى عائلة حاكمة، ‏رغم أنّ أذربيجان جمهورية من الناحية الشكلية، إلى درجة أنّه عيّن زوجته نائبة له عام 2017، ومنحها أكثر وسام أهمّية في أذربيجان، ويسيطر أبناؤه على مفاصل الحكم والثروة في البلاد. والآن، بعد تسعة أشهر من اندلاع معركة طوفان الأقصى، اعترفت أرمينيا بالدولة الفلسطينية، رغم أنّها تبتعد تدريجياً عن التحالف مع روسيا، وتتوجّه إلى التقارب مع الغرب، خاصّة الولايات المتّحدة، الداعم الأكبر لإسرائيل. وربما يعود سبب قرار أرمينيا إلى استيائها من الدعم الإسرائيلي الكبير لأذربيجان. لكن أيّاً كان السبب، تبقى حقيقة أنّ أرمينيا اعترفت بفلسطين بينما أذربيجان، التي تعترف بالدولة الفلسطينية منذ عام 1992، لم تفعل شيئاً تجاه المجازر الإسرائيلية في غزّة، ولا تزال العلاقات مع تل أبيب قوية للغاية، ولا تزال تمدّ إسرائيل بما تحتاجه من النفط عبر ميناء جيهان التركي، رغم قرار أنقرة الرسمي بالمقاطعة التجارية مع إسرائيل؛ مثال جديد على المفارقات وتمايز المواقف أدّت إليها المعركة التي تخوضها المقاومة في غزّة.

مقالات ذات صلة