في مسؤولية السلطة الفلسطينية عن “طوفان الأقصى”

سمير الزبن

حرير- عندما تدّعي أنّك تمثّل الشعب الفلسطيني، وأنت من قُدت نضالَه أكثر من نصف قرن، لا تستطيع أن تتعامل مع قضاياه المُلحّة والجرائم التي ترتكب في حقّه وكأنّك متضامن خارجي، تنتمي إلى بلد في أميركا اللاتينية، حتّى إنّ هذه البلدان المُتضامنة من الخارج قامت بأكثر ممّا قُمْتَ به، مثلما فعلت جنوب أفريقيا برفع دعوى لمحاسبة إسرائيل على جرائمها في حقّ الفلسطينيين أمام محكمة العدل الدولية. ولا تستطيع القول إنّي لست مسؤولاً عمّا جرى، ويجري، من أحداث فارقة وانعطافيّة في الساحة الفلسطينية، كأن تقول، إنّي لم أتخذ قرارَ بدء الحرب التي تجري في غزّة وأنا لست شريكاً في القرار الذي انفردت به حركة حماس، وبذلك، لست مسؤولاً عن نتائج الحدث وما جرّه، ويجرّه، من آلام وويلات هائلة على أهالي القطاع.

هكذا تعاملت رئاسة السلطة الفلسطينية/ قيادة منظّمة التحرير مع الحرب الوحشية التي تشنّها إسرائيل على أهالي غزّة، على اعتبار أن “حماس” هي من اتّخذ القرار في عملية طوفان الأقصى، ومقاتليها (وغيرهم) هم من اقتحموا مستوطنات غلاف غزّة، فتبعتها الحرب الإسرائيلية المجنونة التي لم تتشاور الحركة بشأنها مع السلطة الفلسطينية أو قيادة المنظّمة أو قيادة حركة فتح، ولم تبلغهم بالعملية قبل القيام بها. وبالتالي، نأت قيادة السلطة/ المنظمّة بنفسها عن هذه الحرب، باعتبارها ليست حربها، وكأنّها حرب إسرائيل ضدّ “حماس” فحسب، وليست ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة أيضاً.

لا تناقش هذه السطور الأحقاد المتبادلة خلال صراع طويل بين القوى المركزية في الساحة الفلسطينية، التي أفسدت كلّ حوار فلسطيني للخروج من حالة الانقسام، وجعلته بلا معنى من الطرفَين، لأنّه، أكثر من عقد ونصف العقد من الحوارات والنقاشات، وفي المستويات كلّها، التي تبعت الصدام المسلح بين “فتح” و”حماس” في قطاع غزّة في 2007، وتوصّلت، المرّة بعد المرّة، إلى وثائقَ للحلّ اتفق الطرفان عليها، ووقّعاها باعتبار أنّها خاتمة الصراع الفلسطيني – الفلسطيني، وسرعان ما نسي الطرفان ما وقّعاه بعد مغادرة قاعة التوقيع، واستمرّ الانقسام والصراع وحرب الإخوة التي لا تنتهي.

لا تستطيع السلطة الفلسطينية وقيادة منظّمة التحرير النأي بنفسيهما عن اقتحام مقاتلي “حماس” مستوطنات غلاف غزّة في 7 أكتوبر (2023)، ولا عن الحرب التي تلتها، ولا يبالغ كاتب هذه السطور في القول إنّ كلّ طرف مسؤول عن الانقسام الفلسطيني يتحمّل بشكل مباشر مسؤولية هذه الحرب وتداعياتها، بصرف النظر عن وجهة نظره فيها أو مشاركته في العمليات العسكرية القائمة، لأنّه، ببساطة، لو استطاعت القوى الفلسطينية تجاوز الانقسام الحاصل في عشرات الحوارات التي خاضوها، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس وحدوية، لما كانت العملية في “7 أكتوبر”، فأوضاع ذاتية فلسطينية مختلفة، تنتج واقعاً فلسطينياً مختلفاً، لأنّ مواجهة الاحتلال موحّدين أكثر جدوى للنضال الفلسطيني، وتفرض واقعاً مختلفاً، وفعّالية أكبر من واقع أننا منقسمون ومشغولون بخلافاتنا الداخلية، أكثر من انشغالنا بمواجهة الاحتلال ومخطّطاته وجرائمه. لذلك، يتحمّل طرفا الانقسام المسؤولية عن كلّ ما جرى في الساحة الفلسطينية بفعل هذا الانقسام الذي تسبّب استمراره سنوات طويلة في إضعاف الوضع الفلسطيني، وانشغلت الأطراف بمصالحها بدلاً من الانشغال بمصالح الشعب وقضيّته، وبضرورة وحدته لمواجهة المخاطر، التي يشكّلها الاحتلال بجرائمه المُستمرّة. إنّ استفراد “حماس” في حكم قطاع غزّة ليس مسؤوليتها وحدها، فالسلطة تتحمّل المسؤولية، بالقدر ذاته، عن هذه الأوضاع الفلسطينية المزرية، التي سادت واستمرّت بعد الانقسام، بذلك، تتحمّل التداعيات السلبية لهذا الانقسام في الساحة الفلسطينية، التي كان بالإمكان تجاوزها بدل الشلّل الذي شهدته بعد الانقسام، والتصدّي بشكل أفضل للتحدّيات الفلسطينية، في حال كانت الساحة الفلسطينية موحّدة.

هذا من جانب مسؤولية السلطة عما أسفر عنه الانقسام الفلسطيني، وصولاً إلى “طوفان الأقصى”. وحتّى بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، كان يمكن للسلطة/ منظّمة التحرير أن تقوم بدورها في حماية الشعب الفلسطيني في غزّة من الوحشية الإسرائيلية، بالعمل على إيجاد شبكة أمان لإخراج الوضع الفلسطيني من هذا الوضع الكارثي، بالتصرّف بمسؤولية تتناسب مع ما تدّعيه من حرصها على الشعب الفلسطيني، بمحاولة تأمين طريق خروج من حالة الحرب واحتضان حركة حماس، والعمل على أداء فلسطيني موحّد في هذه الحرب، ليس بمعنى أن تشنّ الحرب على إسرائيل، بل أن تسعى إلى تأمين غطاء سياسي لحركة حماس للخروج من الواقع الصعب، الذي وصلت إليه الأوضاع في القطاع، وهي الحالة الأفضل، ليس لتحرير “حماس” من قيود مفروضة عليها فحسب، بل ليكون هذا أفضل للسلطة/ المنظّمة، فتبقى طرفاً فاعلاً في حدث فلسطيني مركزي أيضاً، لا أن تكتفي بدور المتفرّج الخارجي على أوضاع مفصلية تهدّد المستقبل الفلسطيني برمّته.

لا يمكن لتشكيل سياسي مركزي في شعبٍ لا يزال في مرحلة تحرّر وطني أن ينأى بنفسه عن حدث مركزي في تاريخ شعبه، ويستمر في ادّعاء أنّه الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب، من دون أن ينخرط في قضاياه ومعاركه، ويعمل كلّ ما في وسعه من أجل حماية هذا الشعب من عدوان أعدائه. أمّا أن يعتبر أنّه لا يستطيع سوى الشكوى، وأنّه عاجز عن فعل شيء، وينظر إلى المذبحة التي يتعرّض لها شعبه بعين التعاطف فقط، ويستسلم لعجزه، فعليه أن يُعلن عجزَه، وأن يستقيل من مهمّة أكبر منه. وفي حال استمرّ في هذا الحال، يصبح مستقيلاً موضوعياً، وخارجَ أيّ فعالية. وبالتالي، عليه الكفّ عن ادّعاء أنّه الممثل الوحيد لشعب يُذبح جزءٌ منه أمام عينيه من دون أن يفعل شيئاً.

مقالات ذات صلة