في ضرورة مؤتمر وطني فلسطيني

عوني المشني

حرير- بمعزلٍ عن بياني اللجنة التنفيذية لمنظمّة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح، واللذيْن تناولا جهدا بادرت إليه نخبة فلسطينية واسعة لعقد مؤتمر وطني، في السياق نفسه الذي تتعاطى فيه الجهتان مع من يختلف معهما، جهة أو شخصا، مستخدمين الأسطوانة المكرّرة من التخوين والشيطنة، بمعزل عن ذلك، يُفترض بموضوعية تناول فكرة المؤتمر لنسأل باهتمام حقيقي عن دواعي الحاجة إليه، وما إذا كانت هناك هناك ضرورة ملحّة له، وكيف سيساهم في الارتقاء بالحالة الفلسطينية، وهل من حقّ أحد تنظيم مؤتمر وطني؟

أما لماذا، فلأن هناك حالة انقسام وتشرذم فلسطينية منذ أزيد من 17 عاماً ولم تنته بعد. عقدت اجتماعات بين أطرافه وبين الفصائل، في عواصم عديدة، القاهرة وبكين والجزائر والدوحة والرياض وصنعاء وبيروت وكوالالمبور وموسكو (وغيرها)، لكن الانقسام تعمّق وتحوّل إلى معطى ثابت. كما طرحت شخصيات وطنية وحراكات شعبية مبادرات لإنهائه، من دون تجاوب. أكثر من ذلك، تُشنّ حرب غير مسبوقة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة منذ أزيد من ثمانية شهور، ولم تحرّك أحداً لإنهاء الانقسام. ويقف العالم، بأغلبيته خلف عدالة قضية فلسطين ووضوح مظلومية شعبها، من دون أن يكلف الفلسطينيون أنفسهم لمخاطبة هذا العالم بصوت موحّد.

جعل هذا كله أمام الشعب الفلسطيني مسؤولية تاريخية بالمبادرة إلى عقد مؤتمر وطني يحضره مئات من مثقفيه وشخصياته الاعتبارية وقواه الفاعلة ومؤسّساته الحيوية لنقاش هذا الوضع واتخاذ خطواتٍ من أجل تجاوز هذا الوضع، مؤتمر ليس من أجل التوسّل والمناشدة لتحقيق الوحدة، بل لفرضها عبر الإرادة الشعبية وبدون تردّد.

وهنا السؤال بشأن ما إذا كان ثمّة ضرورة لمؤتمر وطني فلسطيني، فالضرورة تقتضيها الحاجة، وحاجة الشعب الفلسطيني إلى الوحدة لم تعد عادية وطبيعية فقط، بل صارت مصيرية، يتوقّف عليها مستقبل الشعب وقضيته الوطنية، ولم يعد بالإمكان القبول بالمنطق الذي حكم مسلك القيادات الفلسطينية بجعل الحوار من أجل الوحدة ملهاة يذهب إليها هؤلاء القادة لمجرّد إرضاء خاطر العواصم، ونوعاً من العلاقات العامة. الشعب الفلسطيني يذبح من الوريد إلى الوريد، وقضيته تمرّ بمرحلة مفصلية، ليس لديه ترف الوقت للتمهّل، فالذي لن يجري حالياً لن يجري أبداً، وما يخسره الشعب لا يمكن تعويضه. ويأتي المؤتمر بإرادة المجموع الوطني، وتعبيراً عن إصرار فلسطيني على تجاوز التشرذم، ليفرض تلك الإرادة، ليس عبر بيان أو نداء، بل عبر خطوات تتتابع وبتسارع وتعميق وصولاً إلى الوحدة. ليس المؤتمر صيحةً في واد، بل هو سياق كامل من الفعل الهادف والمؤثر، يبدأ من مكان ومحطّته التالية والنهائية وحدة الشعب الفلسطيني في إطار منظمّة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد له، في كل أماكن وجوده.

السؤال عما إذا كان من حقّ أيّ فلسطيني أن ينظم مؤتمراً وطنياً خاطئ. الصحيحُ أن عملاً فلسطينياً جمعياً لإنهاء حالة التشرذم والانقسام هو واجب الجميع. والخطأ ليس في عقد المؤتمر، إنما في التأخّر في عقده. لنتخيّل أن هناك قيادة فلسطينية موحّدة، هي منظمّة التحرير، بيدها قرارات السلم والحرب، هل كان ما نشهده حالياً في قطاع غزّة سيحصل؟ ليس من حقّ أي فصيلٍ، مهما علا شأنه وارتفع مستوى احترامنا له، أن يأخذ شعبنا إلى حربٍ غير مدروسة جيداً أو سلامٍ لا يؤدّي إلى الاستقلال والتحرّر. هذا قرار وطني عام، كان سيصير في سياقه الصحيح لو كان الشعب الفلسطيني موحّداً في منظمّة التحرير.

ليس المؤتمر المنشود قفزة في الهواء، بل هو سيرورة لها أدواتها ومفاعيل تأثيرها، وهو ليس ماركة مسجّلةً لأحد، كما أنه ليس تقليداً أو تكراراً لمبادراتٍ سبقت. إنه التفكير الجمعي لكل المبادرين، هو التكثيف السياسي لكل المقولات عن الوحدة الوطنية، هو التعبير عن الإرادة الجماعية للشعب الفلسطيني. هدف هذا المؤتمر فلسطيني بكل المعايير، سينطلق من فلسطين، أعضاؤه فلسطينيون، بوصلته فلسطين.

إنما يكون الحرص على منظمّة التحرير عبر تفعيلها ووحدة كل الشعب الفلسطيني فيها وعبرها، هذا هو الحرص الوطني والمسؤولية الوطنية. لن يناقش كاتب هذا المقال سياقات الحملة الجوفاء ضد المؤتمر، فهي مجرّد تكرار لمواقف ضد أي محاولة تطوير للحالة الفلسطينية، لأسباب يعلمها الشعب جيداً، ولكن الكاتب يتوقف هنا عند شخصنة المؤتمر ومحاوله شيطنة بعض أعضاء لجانه التحضيرية. والقول هنا بدون مقدمات، نعتزّ بكل من وقع على النداء الذي دعا إلى المؤتمر، وإلى إعادة بناء منظمّة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية، وإلى قيادة وطنية موحدة، شخصاً شخصاً، وكلهم في هذا الجهد على قدم المساواة بإرادة جمعية متكافئة، ولن يجري التخلّي عن أي أحد، مهما علت الجعجعات، فالموقعون على النداء، وأصحاب الدعوة، مجتمعون على هدف نبيل، وأبوابهم مفتوحة لمن يرغب، ومعا وسويا يواصل الفلسطينيون طريقهم نحو وحدتهم. كل الموقعين فلسطينيون تجمعهم هذه الوثيقة، يختلفون في أمور أخرى، وهذا طبيعي، ولكن ثابتاً مشتركاً واحداً يجمعهم، إعادة بناء منظمّة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد لشعبهم، موحدة ديمقراطية فاعلة وقيادة كفاح. يجمع كل من وقّعوا على النداء هدفٌ مشترك، لا تجعلهم الجعجعات متردّدين ولو لحظة في هذا الموقف، ولن يتوقّفوا أمام الشيطنة والتخوين، فليبحثوا عن مسلةٍ أخرى يخيطون بها، والشعب الفلسطيني يدرك الحقائق جيداً.

مقالات ذات صلة