صراع الأخبار وطائرة رئيس إيران

باسل الحاج جاسم

حرير- سادت حرب من الأخبارِ وتضاربٌ في الروايات، طوال يوم 19 مايو/ أيار الحالي، الذي لم يكن يوماً عادياً، بعد أن هزّ إيران خبر عمّ أرجاء العالم مباشرةً، وهو تحطّم طائرةٍ مروحيةٍ كانت تقلّ الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته، ومسؤولين كباراً آخرين، في طريق عودتهم من الحدود مع أذربيجان، بعد حفل تدشين سدّ على نهر آراس. وسرعان ما تحوّل هذا الحادث الكبير مسرحاً لتضارب صارخ في الأخبار والروايات، ما أثار تساؤلات وشكوكاً كثيرة بشأن حقيقة ما جرى. ففي البداية، أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية مقتل الرئيس رئيسي، وجميع من كان على متن المروحية، تاركةً إيران غارقةً في حالة من الذهول، وسط استغراب عالمي، وتلاها نشر صور ومقاطع فيديو لحطام الطائرة في منطقة جبلية وعرة، ما أكّد فداحة الحادث. ثم سرعان ما ظهرت رواياتٌ مُضادّةٌ من مصادرَ غير رسمية، تُشكّك في صحّة الرواية الرسمية، ومن مصادر رسمية أخرى، أيضاً، بعضُها زعمَ نجاة رئيسي، وعددٍ من المسؤولين. وتضاعفت حالةُ الارتباك مع انتشار معلوماتٍ مُتضاربةٍ عن أسباب تحطّم الطائرة. ففي حين ذكرت بعضُ المصادرِ أنّ سوءَ الأحوال الجوّية كان سبباً للحادث، ادّعت مصادرُ أخرى أنّ عطلاً فنيّاً أو حتّى عملاً عدائيّاً هو السبب وراء الكارثة، ولم تُساهم تصريحاتُ المسؤولين الإيرانيين في تهدئةِ الأجواء، بل زادت من غموضِها. فبينما أكّد بعضُهم صحّة الرواية الرسمية، لم ينفِ بعض آخر رواياتِ النجاة أو العمل المُدبّر، ما أثار موجة من التكهنات والأسئلة عن مستقبل إيران ومنطقة الشرق الأوسط المُضطربة. وقد أدّى هذا التضاربُ في المعلومات إلى حالةٍ من الانقسامِ والصدمة في داخل إيران وفي خارجها. فبينما يؤمنُ بعضُهم بروايةِ النظام الرسمي، يُصرّ بعضهم الآخر على أنّ هناك حقيقةً مُغايِرةً تُخفى عنهم.

ولعلّ أبرز أسباب تضارب المعلومات بشأن تحطّم طائرة الرئيس الإيراني، غموض مصدر المعلومات، التي تأتي من مصادر مُتعدّدة، مثل وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، ووكالات الأنباء الدولية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد تختلف روايات هذه المصادر، وطريقة صياغة التعابير والمصطلحات، بسبب اختلاف وجهات نظرهم ومصالحهم، وطرائق وصولهم إلى المعلومات، وقد لا تكون بعض المعلومات دقيقةً أو كاملةً، خصوصاً في الساعات الأولى بعد وقوع الحادث. بالإضافة إلى أنّ الطائرة تحطّمت في منطقة جبلية وعرة، ما يصعّب الوصول إليها ويعوق عملية جمع المعلومات، وقد أدّت الظروف الجوية السيئة إلى تأخير عمليات البحث والتحقيق، ولا تزال التحقيقات الرسمية في أسباب تحطّم الطائرة جارية، ولم تنشر أيُّ نتائج بعد، فقد تُفضي التحقيقات إلى الكشف عن معلومات جديدة تُغيّر من رواية الأحداث. وقد تكون هناك دوافع سياسية وراء نشر معلومات متضاربة، وربّما بعضها مضلّلة، حول تحطم الطائرة، إذ ليس مُستبعداً أن تسعى بعض الجهات لاستخدام هذا الحادث لأغراضها الخاصّة، ما قد يؤدي إلى تضارب المعلومات، وبشكل عام، قد يكون نقص المعلومات المتاحة، بشأن تحطّم طائرة رئيسي، قد أفسح المجال لتضارب المعلومات وانتشار الشائعات.

وفي الساعات الأولى، التي تلت الحادثة، تغيّرت الأخبار على وسائل الإعلام باستمرار، أولاً، جرى تداول معلومات متناقضة، ذكرت في البداية أنّ رئيسي نجا من الحادث، ثم تلتها تقارير تفيد بأنّه تُوفّي، من دون أيّ بيان رسمي، بالنسبة إلى رئيس دولة، سبّب هذا النوع من تضارب المعلومات فوضى كبيرة. ولم تُنشر المعلومات المتناقضة من الدول أو الجهات التي تسعى للاستفادة منها فحسب، بل أيضاً، من خلال المؤسّسات الرسمية في إيران، فقال وزير الداخلية أحمد وحيدي إنّ المروحية هبطت اضطرارياً بسبب سوء الأحوال الجوية، وذكرت وسائل إعلام إيرانية أنّ الرئيس الإيراني توجّه إلى تبريز برّاً، بعد هبوط الطائرة اضطرارياً، وأعلن التلفزيون الرسمي أنّه عثر على حطام الطائرة، بينما نفى الهلال الأحمر الإيراني هذه المعلومة، كذلك أُعلن أنّ فرق البحث والإنقاذ كانت قريبة جدّاً من موقع التحطّم، لكن، ثبت لاحقاً أنّ هذه المعلومات غير صحيحة.

وفي ظلّ التطوّر الهائل الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة في مجال الإعلام، وظهور ما يعرف بـ”عصر الإعلام الجديد”، الذي يتميّز بانتشار منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة مشاركة المعلومات، وأثّر هذا التطوّر كثيراً في طريقة تغطية الأحداث، بالمجمل، بما في ذلك حادثة طائرة الرئيس الايراني، وأصبح من الصعب على وسائل الإعلام التحقّق من صحّة المعلومات المتداولة على المنصّات الرقمية، ما أدى إلى انتشار بعض المعلومات المغلوطة. ومن المُبكّر التكهّن بمسار إيران بعد رحيل رئيسي، فهناك عديد من السيناريوهات المُحتملة، وقد تستمر إيران في اتّباع السياسات الداخلية والخارجية نفسها، التي اتبعتها في عهد رئيسي، وربّما يحاول نائب الرئيس محمد مخبر، أو خليفة آخر مُنتخب، إصلاح العلاقات مع الغرب، وتحسين الاقتصاد، وقد يستغل المتشدّدون فرصة ما حدث لزيادة قبضتهم على السلطة، وفي ظلّ وجود سلطة المرشد الأعلى، لا يمكن الحديث عن فراغ في السلطة بعد رحيل رئيسي.

يبقى القول إنّ تحطّم طائرة رئيسي حدث تاريخي ستكون له تداعيات، ومن السابق لأوانه تحديد ما يُخبّئه المستقبل لإيران، هل تتجه نحو الانفتاح أم نحو مزيدٍ من التشدّد؟ لكن، هذا الحادث يُمثّل بالتأكيد نقطة تحوّل رئيسية في تاريخ البلاد.

مقالات ذات صلة