المجتمع الإسرائيلي مجتمع إنكاري منفصل عن الواقع

حاتم الكسواني

إن المتتبع لتوالي الأحداث على الساحة الفلسطينية خاصة ما يتعلق منها بطلب المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر إعتقال لنتنياهو وجالنت وإعتراف إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين دولة مستقلة فإنه يكتشف من ردود أفعال المسؤولين والقيادات الإسرائيلية وفئات المجتمع الإسرائيلي من مستوطنين و حزبيين وسياسين وغيرهم من المواطنين  باننا نتعامل مع مجتمع متطرف إنكاري  ينكر على الآخرين حقوقهم … ويعيش في الوهم  والخيالات البعيدة كل البعد عن الحتميات التاريخية و عن طبائع البشر و  معاييرهم ومنطقهم في النظر إلى الجرائم وأفعال الإبادة التي إقترفها العدو الصهيوني في غزة والقدس والضفة الغربية .

مازال المجتمع الإسرائيلي منفصل عن الواقع الذي ادركته كل الأمم على طول العالم وعرضه  بأنه  قوة إحتلال طارئ على أرض فلسطين ، مازال يتمسك بمقولات تلمودية تعطيه الحق بإحتلال أرض فلسطين باعتبارها أرض ميعاده .

وهو مجتمع يؤمن بسيادة عرقه على باقي شعوب الأرض وأعراقها،  بل أنه يعتبر باقي شعوب المعمورة خادمة له ولأطماعه ، وهو مجتمع ميكافيلي الغاية عنده تبرر الوسيلة ، وهو بذلك يستخدم كل وسائل الكذب والخداع ليبرر حقه بإحتلال فلسطين ويرفع شعارات حقه بالأرض العربية من الفرات إلى النيل ، ويشرع لنفسه شن الحروب وحياكة المؤمرات لتحقيق اطماعه واكاذيبه التاريخية .

و وفق مقولاته التلمودية فإن  المجتمع الإسرائيلي مجتمع  بعيد عن واقع ومنطق البشر حيث يحلل لنفسه إستيطان الأرض  وتدمير كل أسباب الحياة فيها ، فهو أينما أقتحم يدمر البنى التحتية  ويقلع ويحرق الزرع والشجر ،  و يقتل كل البشر اطفالا ونساء وشيبا  وشبابا ، و يقتل الحيوانات دون أدنى رحمة بإعتباره واجب ديني عليه أن يقوم به .

ومازال المجتمع الإسرائيلي ينكر حقيقة وجود عدد من الفلسطينيين على أرض فلسطين يوازي عدد الإسرائيليين المستجلبين إليها  من كل بقاع الأرض  بل ويزيدون عنهم عددا  ، وهؤلاء وفق التشريعات الدولية لهم حقوق وإحتياجات إنسانية على سلطات الإحتلال أن توفرها لهم .

المجتمع الإسرائيلي بقيادة نتنياهو ينكر وجود السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية المسلحة “حماس” اللتان تقارعانه سياسيا وعسكريا منذ سنوات وسنوات … ووحدها الحتمية التاريخية التي ينكرها نتنياهو ومن حوله هي التي اوصلت الكيان الصهيوني إلى النقطة الحرجة التي تمثلت بمثول إسرائيل امام محكمة العدل الدولية كدولة فصل عنصري تنفذ عملية إبادة جماعية على مدى ثمانية شهور في غزة والضفة الغربية  ، و طلب  رئيس وزرائها ” نتنياهو “ووزير دفاعها   ” جالنت ” للمثول أمام المحكمة  الجنائية الدولية كمجرمي حرب ومن ثم بدء مجموعة الدول الأوروبية بالإعتراف الفعلي بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة بدء  بإعتراف إسبانيا والنرويج وإيرلندا وبشكل متزامن بذلك .

ومازال المجتمع الإسرائيلي الصهيوني  الإنكاري المتطرف يعتبر دولته دولة نوعية ديموقراطية يحق لها ما لا يحق لغيرها فينكر على الدول والمنظمات الحقوقية الدولية وصمه بالعنصرية والإجرام والتطرف ويطالب كل من ينتقده ، وينتقد مستوطنيه الذين يقتحمون القرى والأحياء والمقدسات الإسلامية والمسيحية ويعيثون بها قتلا للبشر وتدميرا للممتلكات وإعتداءا على شحنات المساعدات للمحاصرين الجياع في غزة بمعاداة السامية وانكارحق إسرائيل بالقتل والتدمير الذي يسميه حق الدفاع عن النفس .

وفي حركة تسير بعكس حركة التاريخ ينكر الكيان الصهيوني الغاصب حتمية إنتصار كل شعب مقاوم ينشد الحرية والإنعتاق ، ظانا بأن إصراره على إحتلال الأرض الفلسطينية والعسف بالشعب الفلسطيني سيعطل حركة التاريخ ويحقق أهدافه العنصرية المتطرفة  .

إن تجربة الشعب الفلسطيني كحركة تحرر وطني تختلف عن تجربتي الإستعمار الإستيطاني الإحلالي في أمريكا وأستراليا حيث تم اقتلاع شعب وإحلال آخر محله وهي تتماثل مع تجربة فيتنام التي فشلت فيها التجربة الإستعمارية لإنتمائها  لامة الشعوب الصينية المحيطة بها والمناصرة لها ،  وتجربتي جنوب أفريقيا والجزائر اللتان  فشلت فيهما تجربة الإستعمار الإحلالي  أيضا لإنتمائهما لأمة الشعوب الأفريقية العربية الإسلامية وغير العربية  المحيطة بهما والمناصرة لهما  .

ينكر الكيان الصهيوني ويتجاهل إنتماء الفلسطينيين لأمتي العرب والإسلام المحيطة بهم ،  وينكر أن الشعب الفلسطيني يستند إلى أمة غابرة في التاريخ هي من أولى الأمم التي شكلت حضارة الإنسانية على الأرض وأن أرضها كانت  مهبط  الرسالات السماوية ، وان لها إرتباطا وثيقا بكل الأنبياء ورسالاتهم السماوية .

وينكر الكيان الصهيوني ورجالاته المنفصلين عن الواقع والحتمية التاريخية بأن  المؤشرات كلها  تؤكد اليوم  بأن  شعوب  العالم  ، شوارعه ، وجامعاته ، ومؤسساته ، وهياكله السياسية والإجتماعية قد ضاقت ذرعا به و بمحاولات خداعه التي تمثلت  بتزويره على مدى عقود لروايات كاذبة حول طبيعة الصراع ، و اصل الحكاية مع سكان فلسطين الأصليين ، كما ضاقت ذرعا بإصراره على إنجاح تجربتة الإستعمارية الإحلالية المنافية للواقع ولمنطق الأشياء وحتمية التاريخ ..   فكل الأمم تجمع بأن من المستحيل أن تقضي على شعب مكون من حوالي 12 مليون نسمة نصفهم يعيشون على أرضهم التاريخية   وكلهم  ” في الوطن المحتل والشتات  ”  يقاومون مستعمر أرضهم بشتى أنواع المقاومة وأشكالها .

إن الكيان الصهيوني ينكر بأن الشعب الفلسطيني قادر متعلم مثقف استطاع أن ينتصر عليه في عديد من الساحات ولعل أبرزها انتصاره على عدوه الصهيوني في معركة الإعلام وعلى كل المنابر التقليدية ، ومنصات التواصل الإجتماعي ، حيث استطاع الفلسطينيون إيصال رسالتهم للعالم وبث عملية الإبادة التي تقترف بحقهم حيا على الهواء ولحظة بلحظة ،  الأمر الذي استقطب فهم وتعاطف وتأييد شعوب العالم كلها التي قالت كلمتها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي  :

لا لإبادة الشعب الفلسطيني … الحرية لفلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر  …  الحرية للمعتقلين الفلسطينيين … لا لتهجير الفلسطينيين من وطنهم .. نعم لحل الدولتين  …. ولا والف لا  لإستمرار آخر إستعمار لشعب في التاريخ  .

 

مقالات ذات صلة