
الخطة الإسرائيلية في غزة والمنطقة
محمد عايش
حرير- الخرائط التي عرضتها إسرائيل خلال التفاوض غير المباشر مع حركة حماس، من أجل التوصل إلى صفقة، تكشف الكثير من تفاصيل المشروع الإسرائيلي في غزة، وتجعل من الممكن استنتاج ما يقوم به الاحتلال منذ عامين، والنتيجة التي يريد الوصول إليها من هذه الحرب المدمرة.
المشروع الإسرائيلي يتضمن إبقاء السيطرة على نحو 40% من مساحة قطاع غزة، وكذلك دفع الفلسطينيين إلى الجنوب، عبر بناء ما يسميه الاحتلال «مدينة إنسانية»، أو «مدينة خيام» على أنقاض مدينة رفح المدمرة، وهو ما يعني حشد الفلسطينيين على الحدود مع مصر مع تفريغ وتدمير شمال ووسط القطاع، وهو ما يُشكل تمهيداً لترحيل الفلسطينيين، سواء بالترغيب أو بالترهيب، أي بالإكراه أو بالإغراء، هذا فضلاً عن أن «المدينة الإنسانية» لن تكون سوى معسكر اعتقال جماعي ضخم، لا يصلح للحياة البشرية ولا بأي شكل من الأشكال.
هذه المعلومات والخرائط التي تسربت من المفاوضات، التي تجري بوساطة قطرية ومصرية، تعني أن إسرائيل ما زالت متمسكة بمشروع «التهجير»، وأن الحرب الجارية في القطاع هي «حرب إبادة جماعية» بمعناها الحرفي، وهدفها أن تجعل الفلسطيني أمام خيار المغادرة أو الموت، وأن هذه الحرب ليس لها هدف سوى مسح قطاع غزة عن الوجود وتصفية سكانه، بما يؤدي إلى تغيير شكل المنطقة وتوازناتها. ثمة عامل آخر يشرح المشروع الإسرائيلي في غزة بشكل أكبر، وهو عمليات استهداف المساعدات الإنسانية ونقاط توزيع المواد الاغاثية في القطاع، حيث تقوم إسرائيل منذ شهور بتسييس المساعدات وتحويلها إلى مصيدة، إذ قامت بتجويع كل سكان قطاع غزة، ومن ثم سمحت بتوزيع المساعدات في نقاط معينة، وهذه النقاط هي المواقع التي أرادت وتريد جرّ الفلسطينيين إليها، وهناك عبر تلك النقاط يحدث أمران: الأول هو اصطياد المطلوبين باستخدام تقنيات «التعرف على الوجه، والثاني خروج السكان من المناطق التي لا تصلها المساعدات، وتمركزهم حول نقاط التوزيع التي هي في الحقيقة مواقع يريد الاحتلال تجميع المدنيين فيها.
كل هذه المعطيات تعيدُ التأكيد على أن إسرائيل تخوضُ حرباً لا علاقة لها بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وليست رداً على «طوفان الأقصى»، وإنما يريدُ الإسرائيليون الهيمنة على المنطقة، وتغيير شكلها بما يُحقق مصالحهم ويجعل لهم اليد الطولى، ويُمكنهم من التهام المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية.
الخطة الإسرائيلية التي تتكشف يوما بعد يوم تقوم على تدمير قطاع غزة بالكامل، والتهام الضفة الغربية وتنفيذ قرار ضمها، والقضاء تبعاً لذلك على السلطة الفلسطينية، وعلى ما تبقى من مخرجات اتفاق أوسلو الموقع في عام 1993، وهذا يُشكل تهديداً مباشراً واستراتيجياً للأمن القومي العربي، ويشكل تهديداً خاصاً لكل من مصر والأردن، كما إنه انتهاك واضح لمعاهدة وادي عربة للسلام بين الأردن وإسرائيل، التي توجب على إسرائيل عدم التصرف بجملة من القضايا إلا في إطار اتفاق للحل النهائي، وأن يكون الأردن طرفاً في أية مفاوضات ترمي للحل النهائي مع الفلسطينيين، وذلك من أجل ضمان عدم المساس بالمصالح الأردنية، خاصة في ما يتعلق بقضية اللاجئين.
إسرائيل تقوم بالاعتداء على العرب جميعاً بما تقوم به الآن في غزة والأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان، وعلى الدول العربية أن تبحث في كيفية التصدي لهذه الخطة المدمرة، لأنها تشكل تهديداً للأمن القومي العربي والمصالح الاستراتيجية العليا لهذه المنطقة.