الطوفان يواصل كشف زيف المجتمع الدولي

عبد الناصر سلامة

حرير- من المؤكد أن العلاقات الدولية ما بعد طوفان الأقصى، لن تكون أبداً كما كانت قبله، نظرة الشرق للغرب، تطلعات الشمال والجنوب، أنظمة «الفيتو» والشعوب المقهورة، فالطوفان كشف الوجه الحقيقي للمجتمع الدولي، بمعظم عواصمه، الوجه الخادع للمنظمات والمحاكم الدولية، بمعظم مسمياتها، وهو الأمر الذي سيعلي من شأن الأصوات المطالبة بعدم الانصياع خلف تلك العواصم، خصوصاً المهيمنة دولياً من جهة، وأيضاً بتعديل قواعد ومواثيق عمل تلك المنظمات والمحاكم من جهة أخرى، وفي مقدمتها ما يعرف استخدام حق النقض للدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي.

بدا واضحاً أن ستة أشهر كاملة من القصف اليومي على مدنيين أبرياء في قطاع غزة، وهدم منازلهم، وقتل وإصابة ما يصل إلى 115 ألفا منهم، لم تكن كافية لاستنفار الضمير الإنساني لدى دول الغرب تحديداً، والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، وهي الدول التي دأبت على مد كيان الاحتلال بالسلاح طوال الوقت، لاستخدامه في حرب الإبادة، وفي الوقت نفسه، في إطار حالة النفاق السائدة، تطالب هذه الدول أيضاً بإدخال المساعدات الإنسانية للجوعى والمرضى، ذراً للرماد في العيون، إلى أن يحين وقت قتلهم، أو هكذا بدت الأمور.

طوال الوقت كان الشغل الشاغل لهؤلاء، هو تحرير عشرات الأسرى الإسرائيليين، دون أي حديث عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، طوال الوقت كان الحديث عن خفض عدد القتلى بشكل يومي في صفوف الفلسطينيين، دون أي حديث عن وقف استهداف المدنيين بشكل عام، طوال الوقت كان الحديث عن هدنة أو هدن، دون أي حديث عن وقف تام للقتال، حتى تستعيد آلة القتل عملها بمجرد الإفراج عن أسرى الكيان، وذلك في سوابق تاريخية تؤكد أننا أمام منظومة دولية فاشية، تدير العالم علانية، دون أي استحياء أو خجل. إلا أن هناك من الشواهد ما يوجب علينا التوقف أمام تلك الأحداث من وجوه عديدة، علّ وعسى يستوعب الشارع العربي، حقيقة ما يجري حوله على كل المستويات، في ظل المنظومة السياسية الحاكمة من المحيط إلى الخليج، التي أصبحت تتشابه فيما بينها من كل الوجوه، خصوصاً في التخلي عن دعم القضايا العربية التاريخية العادلة، مادام الطرف الآخر هو الولايات المتحدة، الآمر الناهي، الذي يجب أن يُطاع، من هنا جاءت عمليات التطبيع العربية المتتالية مع الكيان الصهيوني، نتاجاً طبيعياً لهذه الحالة من الانبطاح، حتى لو كانت النتيجة المؤكدة هي التخلي عن أقدس مقدسات العرب والمسلمين، ويمكن الإشارة إلى عدد من الشواهد في النقاط التالية:

أولاً: منذ بدء عملية طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر الماضي، لم تعد تصدر عن واشنطن، أو أي من عواصم الغرب، أي تقارير دورية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي، خصوصاً ما يتعلق بمصر والسعودية، كما لم تعد تصدر أي تعليقات سياسية حول ما يستجد من انتهاكات أو اعتقالات، ما يؤكد أننا كنا في السابق أمام حالة ابتزاز واضحة، لا أكثر ولا أقل، لا علاقة لها بالأخلاق والإنسانية من قريب أو بعيد.

ثانياً: كشف طوفان الأقصى الوجه القبيح للغرب من كل النواحي، التاريخية والسياسية والأخلاقية والطائفية والعنصرية، الأمر الذي سينسف كل الادعاءات السابقة، التي استنزفت الكثير من الجهد ونفقات الدعاية والإعلام، على مدى 70 عاماً على الأقل، منذ ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى بلغ الأمر أن مواطن الشرق، أصبح يعتقد صدق ذلك العطف الغربي على الحيوان والطير والبيئة، في الوقت الذي تتلطخ أيديهم بدماء ملايين البشر عبر العصور، حتى الآن.

ثالثاً: ثبت بالأرقام أن عدد الغربيين وغيرهم من نحو 13 دولة، للعمل في صفوف قوات الإبادة الصهيونية، زاد على 20 ألفاً، ما بين يهود، ونازيين جدد، ومرتزقة مال، في الوقت الذي لم تطلب فيه أي دولة عربية، سواء بشكل رسمي، أو من خلال جمعيات أهلية، أو حتى من خلال جامعة الدول العربية، السماح لمتطوعين بالانخراط في صفوف المقاومة الفلسطينية، على اعتبار أن فلسطين، على الأقل، دولة عضو ومؤسس في جامعة العرب.

رابعاً: تشكل الحرب الدائرة في قطاع غزة الآن، منطقاً معكوساً، في السلوك الدولي، فأسراب الطائرات والسفن المحملة بالأسلحة إلى كيان الاحتلال، لم تتوقف على مدار الشهور السابقة، في الوقت الذي يحرم فيه العالم المدنيين الواقعين تحت الاحتلال من الحصول حتى على أسلحة دفاعية، في مواجهة أقوى أسلحة العصر الحديث، بل إننا لم نسمع من أي عاصمة عربية حديثاً حول حق الشعب المحتل في الدفاع عن نفسه.

خامساً: منع الغذاء والدواء عن الشعب الفلسطيني في القطاع، والمساومة الدولية، سياسياً وعسكرياً، على ذلك، هو في حد ذاته من أكبر جرائم الحرب، بل وصل الأمر إلى اعتبارهم، في تصريحات علنية، «حيوانات بشرية» سنقطع عنهم الماء والدواء والغذاء، وسنطردهم من منازلهم ومن أرضهم، إلى غير ذلك مما يؤكد أننا مازلنا نعيش عالم الغاب في أبشع صوره.

مقالات ذات صلة