من حرب أكتوبر إلى طوفان الأقصى

أسامة الرشيدي

حرير- بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى، وما تبعها من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، انتشر مقطع فيديو قديم، لقائد عسكري مصري راحل، بشكل واسع بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية. الفيديو تحليل قدّمه رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب 6 أكتوبر (1973)، الفريق سعد الدين الشاذلي، في “شهادة على العصر” على قناة الجزيرة.

تحدّث الشاذلي في الفيديو عن نقطتين، رأى أنهما تمثلان نقطة ضعف إسرائيل في الحروب. الأولى: عدم قدرتها على تحمّل الخسائر البشرية، نظرا إلى قلة عدد سكانها. والثانية، إطالة مدّة الحرب. لأنها تعبئ 18% من شعبها، وهي نسبة عالية جدا، ما يؤدّي إلى توقف الحالة الاقتصادية بشكل كبير، كما تتعطّل الدراسة في المدارس والجامعات، وكذلك العمل في المزارع والمصانع والشركات، لأن القوة العاملة الرئيسية تجنّدت في الجيش.

لهذين السببين، اعتمدت إسرائيل دوما على الحرب الخاطفة، أو ما يُعرف بـ”بليتز كريج”، لتفادي نقطتي الضعف هاتين. ولذلك، بنيت فلسفة خطّة الجيش المصري في حرب أكتوبر، على استغلال هذين الجانبين، لأن مصر تستطيع، في المقابل، تحمّل الحرب فترة طويلة، وكذلك الخسائر البشرية، لأن سكان مصر أضعاف عدد سكّان إسرائيل. كما أن عدد المجنّدين في الجيش يُعتبر نسبة صغيرة من المواطنين، لا تؤثّر بشكل كبير على الاقتصاد.

هذا ما تحقق بشكل شبه نموذجي خلال الأيام الأولى من الحرب، إذ تمكّن الجيش المصري من عبور قناة السويس، والتمركز على الضفة الشرقية للقناة، ما منع الجيش الإسرائيلي من الالتفاف، وأجبره على القتال بالمواجهة المباشرة، وأدّى إلى تكبّده خسائر بشرية جسيمة. لكن ما حدث بعد ذلك أدّى إلى استعادة إسرائيل توازنها، بسبب إصرار الرئيس المصري، أنور السادات، على تطوير الهجوم شرقا باتجاه منطقة المضائق في سيناء، بدون توفير دفاع جوي يصد الطائرات الإسرائيلية. نتج عن تطوير الهجوم تدمير معظم القوات المصرية المشاركة فيه، وحدوث ما اصطلح على تسميتها “الثغرة”، إذ تمكّنت قوات إسرائيلية من العبور إلى الضفة الغربية من قناة السويس، وحاصرت قوات الجيش الثالث المصري، واستمرّت المعارك حتى الاتفاق على وقف إطلاق النار، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1973.

رأينا بعضا من تقديرات الفريق سعد الشاذلي لنقاط ضعف إسرائيل، تتحقق بالفعل في معركة طوفان الأقصى. فقد عانت تل أبيب من خسائر اقتصادية ومالية هائلة، في الأشهر الستة الماضية. كما تكبّدت ثاني أكبر خسارة بشرية في تاريخها، بعد خسائرها في حرب أكتوبر، وتواجه نقصا في المعدات والأسلحة والذخائر. لكن الولايات المتحدة والدول الغربية، وكما حدث عام 1973، تدخّلت بقوة، وأمدّت إسرائيل بكل ما ينقصها، ولا تزال تفعل ذلك.

وإذا كانت هذه تقديرات الفريق سعد الشاذلي لإسرائيل في العام 1973، فإن متغيرات كثيرة حدثت خلال نصف القرن الماضي؛ فإسرائيل لم تعد دولة قليلة السكان، فقد بلغ اليهود في فلسطين التاريخية أكثر من سبعة ملايين. وبالتالي، لم تعد الخسائر البشرية مؤلمة إلى هذه الدرجة، مثلما كان عليه الحال سابقا. كما نرى إصرارا إسرائيليا على رفض وقف إطلاق النار، وعلى الاستمرار في الحرب، بل وإطالة زمنها، لسببين رئيسين: الأول، الصفعة المدوية التي تلقتها من المقاومة الفلسطينية، في 7 أكتوبر الماضي، وهي صفعة أدّت إلى جنون الإسرائيليين، واتحادهم على الثأر بأي طريقة. كما أدّت كذلك إلى عدم وجود انشقاقات داخل حكومة الحرب، رغم الخلافات العميقة بين أعضائها. الثاني، رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، في إطالة أمد الحرب، رغبة منه في التملص من المحاسبة التي سيخضع لها عاجلا أو آجلا، عن مسؤوليته تجاه ما جرى، فضلا عن اتهامات الفساد التي تلاحقه منذ سنوات، وتهدده بالسجن فور تركه منصبه.

سبب ثالث يجعل إسرائيل تبدو غير عابئة كثيرا بإطالة أمد الحرب، يتمثل في أن قطاع غزّة مساحة صغيرة، ويمكن الهجوم عليه فترة طويلة، بشكل أفضل كثيرا مما لو كانت إسرائيل تواجه دولة لها حدود وخطوط إمداد وجيش نظامي وأسلحة متطوّرة، وغير ذلك مما يمكن أن يؤلم الاحتلال. ولذلك، لا يمكن اعتبار ما يجري في غزّة “حربا” بالمعنى المتعارف عليه بين الدول.

أما السبب الأهم والأخطر، والأكثر إيلاما، لتمكّن إسرائيل من الاستمرار في الحرب طوال أكثر من ستة أشهر، فهو الخذلان العربي والإسلامي غير المسبوق تجاه غزّة وشعبها ومقاومتها، بل وحتى مشاركة بعضهم في العدوان. فلم تنتفض الضفة والقدس بالشكل المطلوب، ولم يتجاوب عرب الداخل مع نداءات المقاومة، واكتفى حزب الله بتقديم دعم لا يؤثر كثيرا على قدرات إسرائيل، ولم تتحرّك الشعوب بما يتناسب مع الحدث الجلل. وأخيرا، تنوعت خيارات الأنظمة العربية، بين الصمت والتواطؤ.

مقالات ذات صلة