عين التراب وتعرفة الأطباء.. رمزي الغزوي

سنشهد هذه الأيام تنافساً استثنائيا بين متفوقي الثانوية على مقاعد دراسة الطب، في الداخل أو الخارج. ليس لأن الصوت الشعبي، ما زال يهمس بالحاح في كل أذن: (كُن طبيباً ولا تبالي) فحسب، بل لأن قرار نقابة الأطباء، زيادة أجور كشفيات أعضائها يغري ويسيل لعاب كل طامح أو رامح.

ما زلتُ عند قولي، الذي أعلنته بوضوح في هذه الزاوية، عند الهبة الرمضانية المباركة، نحو الدوار الرابع، من أن المحرك الأساسي للنقابات المهنية، وخصوصاً نقابة الأطباء، لم يكن سوى غضبة لأن حبل قانون ضريبة الدخل التفّ حول زورهم وانعقد. وصدف أن الشارع، كان محتقنا ملتهباً، فجاءت العتمة على قدر ما يشتهي العاشق.
تتسرب إلينا فواجع ومواجع، عن أطباء لا يدفعون لضريبة الدخل سنوياً، سوى أقل من عمل نصف يوم لعياداتهم، في أكرم حالاتهم. ونسمع عن أراقم فلكية يحققها أطباء، في وقت يبخلون على السكرتيرة العاملة لديهم، أن تخضع للضمان الاجتماعي. ونسمع عن تحالفات منتنة، لا تليق بأشرف المهن، بين أطباء وصيادلة ومختبرات، لا يكون ضحيتها إلا المواطن، وهو في أضعف حالاته: المرض.
أكثر من تسعين بالمئة، ممن خرجوا إلى الدوار الرابع، من الشيب والشبان، الذين صدعوا لنداء النقابات المهنية للتحرك ضد حكومة الرفع، لا تطالهم ضريبة الدخل، وقانونها المقترح. ويوم ذاك قلنا: معلش. سنتحرك. ثم بدا لنا أن قلوب بعض النقابات، لم تكن على المواطن الكحيان، بل من أجل إسقاط قانون يجنح نحو مكتسباتهم.
كشفيات الأطباء ورواتبهم، من أعلى المهن في البلد، ولو أن تفكيرا في المواطن الهبيان ساور النقابة، قبل قرارها الأخير؛ لأدركت أن القرار يجيء في الوقت القاتل، فإبريق الفخار (المواطن )، لا ينقصه مزيدا من التكسير والتفخير، من جهاته الخمس.
المحزن أننا لم نسمع من أطباء نقدرهم صوتا مستنكرا لقرار نقابتهم، صوتا يقول للنقابة هذا يكفي. الطبيب إنسان قبل كل شي. لكن الظاهر أننا في زمن صارت فيه التجارة والمتاجرة هي العنوان.
ربما سنتقبل قرار النقابة رفع تعرفة وأجور أعضائها، بنسبة كبيرة، شرط اخضاع كل قرش يدخل حيزهم لقانون ضريبة الدخل ورقابتها. فهل يقبلون هذا؟ أم أنهم سيثورون، ويجيّشون الشارع مجدداً؛ ليهب معهم وينقذهم.
لم يكن الشبع في يوم من أيامنا منوطاً ببطن سيمتلئ. بل كان وسيبقى هذا الشبع في العين ومعناها. فالبطن يتسع بنهم لكل شيء ويريد كل شيء، سيما إن خالطه شيء من الجشع. أما العين، فحفنة تراب تملؤها.

مقالات ذات صلة