“الجراح” ينجح بالاعتذار لجمهوره… ماهر عريف…

بما يُشبه صيغة اعتذار، حذف المخرج علي الجراح 8 دقائق من العرض الثاني لمسرحيته “براءة بحار” ضمن مهرجان الطفل المُقام حالياً في العاصمة الأردنية عمّان، وخفف من مَشاهد وُصفت عقب العرض الأول بأنها “مُرعبة” و”مُنفرة” ولا تتناسب مع جمهور العمل، كما عدّل على حوار الشخصية التاريخية “أحمد بن ماجد”.
رغم مشواره الطويل في مسرح الطفل، وحصده العديد من الجوائز، استجابَ الجراح لملاحظات وصلته بعد العرض الأول، سواء من الصغار، أو من أولياء أمورهم، أو من إعلاميين ونقاد ومخرجين في الندوة التقييمية.
خلال ساعات جمعَ فريقه مجدداً، وأجرى ما يُشبه “بروفات” سريعة مكثفة على التعديلات الموضوعية والفنية الجديدة بما في ذلك الحوارات وحركة الممثلين (بينهم أطفال)، والسينوغرافيا، وسواء اتفق البعض مع خطوة التعديل أم لا، لكنها ربما من المرات القليلة التي تحدث، لاسيما خلال أقل من 24 ساعة فصلت بين العرضين.
“شبه الاعتذار” هذا ليس الأول. الروائي السوري ضاهر عيطة اعتبر العمل برمته بمثابة رسالة اعتذار صريحة وجهها للأطفال الذين كان يكتب لهم عن الأمان، و”الألوان الوردية”، والطيور المُحلّقة.يقول في تعريفه للنص الصادر عام 2012 إنه شعر بعدم مصداقية حيال ما سبق وقدمه وخَشِيَ أن ينعته الأطفال بالكذب في ظل مآسي تعيشها البشرية وضياع الطفولة وتشريدها. ويضيف: “حتى لا يلعنني الأطفال بعدما كنت في إصداراتي السابقة أصوّر لهم الأرض بأنها جميلة وحافلة بالمرح والسعادة، كتبت هذا النص”.
ربما هذا يُفسر ذهاب عيطة في نصه “براءة بحار” إلى الحديث عن مآلات سوداوية لحقت الصغار، ومساع الطفلة “راما” للبحث عن حلمها الخاص من خلال أمواج البحر، والانطلاق مع أترابها في رحلة “خيالية” على سفينة تهتز أطرافها عند تنازع الخير (جسّده معتز اللبدي) والشر (عبد الرحمن بركات)، والأخير يمكن تأويله لأبعد من قكرة تشويه التاريخ إلى ملامسة حدود التطرف في توجهه.
كاتب العمل الذي سبق واعتقل في بلاده بسبب رؤاه المُعارضة، وجد في مزجه بين الواقع المرير والتراث (الخيال) المُلهم، سبيلاً للمعالجة الدرامية عبر صور لا تخلو من أشعار غنائية.
هل وصلت الرسالة للطفل؟ ربما كان على فريق العمل (وغيره من مسرحيات) سؤال الجمهور للمرة الثانية. يُمكن القول عند طرح ذلك على عدد من المغادرين مقاعدهم بعد انتهاء العرض في المركز الثقافي الملكي في عمّان بأن الردود تفاوتت بين الحيرة، واعتبار مشهد “تغطيس” رأس أحد الممثلين (معتز اللبدي) من قبل الطفلة “راما” بأداء كوميدي هو العالق في ذهنهم. هذا المشهد واجه أيضاً انتقاداً في الندوة التي تلت العرض الأول على اعتباره – بحسب أصحاب التحفظ- يعلّم الأطفال سلوكاً سلبياً قابلاً للتقليد، لكن المخرج ارتأى الابقاء عليه.
في الاعتذار الثاني الصادر عن المؤلف ضاهر عيطة اعتبر حصول نصّه على الجائزة الأولى في مسابقة التأليف للصغار ضمن الهيئة العربية للمسرح يحمل جانباً مقلقاً إلى جانب التقدير. يقول: “ﻓﻮﺯﻱ ﺑﺎﻟﺠﺎﺋﺰﺓ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺴﻢ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺨﻴﻠﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻧﺼﻲ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻲ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﺃﺷﻼﺀ ﻣﻤﺰﻗﺔ، ﺑﻜﻴﺖ ﻛﺜﻴﺮاً ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻭﺧﺠﻠﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮاً، ﻧﻠﺖ ﺟﺎﺋﺰﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﻄﻴﺔ ﺃﺣﻼﻣﻬﻢ، ﺃﻣﺎ ﻫﻢ ﻓﻘﺪ ﻏﺎﺩﺭﻭﺍ ﺃﺣﻼﻣﻬﻢ ﻭﺃﺣﻀﺎﻥ ﺃﻣﻬﺎﺗﻬﻢ”.
ثلاثة اعتذارات من أطراف العمل. ترى كم اعتذار يجب تقديمه للأطفال عموماً بسبب مهرجانات وفعاليات واحتفالات وبرامج ومسابقات وإصدارات تُطرح على أنها تخدمهم، لكنها في الأصل “تُتاجر” و”تتنفع” على حسابهم، وربما تؤذيهم؟

مقالات ذات صلة