الحضانات المنزلية مغامرة مفتوحة على المجهول في ظل غياب الرقابة والأمان

ظل تأمين حضانة مناسبة ترتقي إلى المستوى الصحي، وتتوافق مع الامكانيات المادية للأسرة في ظل الارتفاع الملموس لأقساط الحضانات بجميع مستوياتها، هاجس الأم العاملة وهو ما يدفعها للتفكير بحضانة منزلية تسهل عليها مهمتها.

إلأ أن العشوائية في الحضانات المنزلية، غير المرخصة لغاية الآن، وتعرض بعض الأطفال لمخاطر صحية وتربوية، كشف ضرورة وضع تعليمات أو أسس تنظم آلية عملها، وبخاصة بعد تزايد حجم الإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون رقابة.

وينص قانون رخص المهن على انه لا يجوز لأي شخص أن يتعاطى أي مهنة في منطقة البلدية أو خارجها ما لم يحصل على رخصة بذلك، فيما يبين خبراء ومختصون أن ما يحدث داخل هذه الحضانات من اساءة أو عنف للطفل او استغلال سواء نفسي او جسدي او اجتماعي هو نتيجة لغياب الرقابة على هذه الحضانات.

ويؤكدون ان واقع الحال يزداد سوءا في ظل غياب استراتيجيات ودراسات وطنية تعنى بالحضانات بشكل عام والمنزلية منها بشكل خاص، ما يستدعي إعدادها وفق خطة ممنهجة، وما يحدث في بعض الحضانات المنزلية ينبئ بخطورة لا تحمد عقباها على صحة ونمو الطفل جسديا اوذهنيا او نفسيا.

ويضطر الأهالي الى البحث عن حضانة منزلية لأبنائهم تكون قريبة من سكنهم وبكلفة أقل من الحضانات الخاصة المرخصة والمعتمدة من وزارة التنمية الاجتماعية والتي تصل تكلفة الرعاية في البعض منها الى ألفي دينار بالسنة.

ووفقا لوزارة التنمية الاجتماعية لا تتوافر أية احصائيات عن الحضانات المنزلية كونها غير مرخصة لغاية الآن، فيما يبلغ عدد الحضانات المرخصة بمختلف مناطق المملكة 1291، تم تسجيل 81 حضانة منها هذا العام.

وفي المقابل تبلغ نسبة العاملات من المتزوجات في المملكة 50.5 %، وعدد الأطفال من عمر الولادة حتى أربع سنوات حوالي مليون و125 ألف طفل، بحسب دائرة الاحصاءات العامة.

وضاقت الأرض بما رحبت بالموظفة سمية الأمين وهي تبحث عن حضانة آمنة، بعد أن كاد قلبها يقفز من مكانه هلعا على ابنها قصي ذي الثلاثة أعوام، حينما رأته ملقى على الأرض دون حراك أو نفس، فحملته إلى أقرب طبيب، لتكتشف أنه أخذ جرعات زائدة من مستحضر دوائي يدعى “بيبكال” يوقف نشاط من يتجرعه ويعمل على تنويمه، ففتك في جسده حتى أصيب بانسداد في البول وانتشار السموم في جسده، وعلمت حينها أن حاضنته التي ترعاه هي التي كانت تدس له المستحضر في الطعام.

وهي التي كانت فيما مضى تغض الطرف عن واقع المنزل/ الحضانة غير النظيف والذي يحتضن 12 طفلا في غرفة واحدة؛ لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الرعاية الصحية والتربوية، لكن مع ما اكتشفته أخيرا سلّمت أمرها لله وتوقفت عن العمل.

ورغم توفر عدد من الحضانات التي يشعر فيها الطفل بالأمان والاهتمام في جانب التغذية، بحسب تجربة الأم العاملة آمال، إلا أنها تؤكد أنها لم تشعر خلال عملها بالراحة والامان من هذه الحضانات بسبب بعض الحوادث التي يتعرض لها الاطفال، معتبرة ان الأم البديلة لا تغني عن عطف وحنان أم الطفل او الطفلة، وتنتابها مشاعر الخوف على أطفالها، فـ “مجرد ذكر اسم المربية امام ابني ينتابه الخوف والرعب”.

ولا تجد جراب في الحضانة المنزلية مكانا لتنمية قدرات الطفل الحركية والتعليمية والذهنية، إذ تفتقر هذه الحضانات للألعاب والانشطة، فيمضي الطفل وقته بين النوم او مشاهدة التلفاز.

وتعتبر الأم العاملة نجلاء عفيف الحضانة المنزلية، مكانا لا يضمن تربية سويّة، بل تمارس فيه بعض أساليب التهديد والترهيب على الاطفال دون رقابة، فالمربية تهدد الأطفال بقولها: “لا تخرجوا من الغرفة فخلف الباب أسد”، لتضمن التزامهم بأماكنهم المخصصة لهم وجل همها توفير جو من الهدوء لأحد أبنائها الذي كان يستعد لامتحانات التوجيهي.

ولهذا السبب، كما تؤكد عفيف، تجد صعوبة بالغة في محاولاتها كي تجعل ابنها يتخطى الحواجز النفسية التي تسببتها الحضانات له رغم بلوغه الآن سبع سنوات.

وبالرغم من توقعات الأم العاملة ربا المحتسب، أن جارتها المربية ستهتم بطفلتها، لكنها لمست قلة الرعاية الصحية وبالذات عدم معرفتها بالإسعافات الاولية.

وتفاجأت مرة بآثار (ضربة كف) على خدّي ابنتها (ليلى) بحسب تعبيرها، فاستشاطت غضبا من جارتها/ الحاضنة ونقلتها الى حضانة خاصة رغم تكلفتها العالية.

 

وتبين مربية رفضت ذكر اسمها، انها تضع عشرين طفلا في غرفة، لقاء 30 دينارا في الشهر للطفل الواحد، تتناوب أخواتها الثلاث لمساعدتها برعاية الاطفال، إذ تفتح باب حضانتها المنزلية 8 ساعات.

تقول أستاذة الطفولة المبكرة في الجامعة الاردنية الدكتورة ايمان البيتاوي إن الأبحاث والدراسات المتعلقة بالحضانات المنزلية تكاد تكون معدومة في الأردن بسبب عدم وجود قوانين خاصة لتنظيم هذا القطاع.

فيما يقول مستشار طب الاطفال وحديثي الولادة الدكتور باسم المومني، إن العديد من المربيات والحاضنات لا تتوفر لديهن الخبرة والدراية التامة في التعامل مع الطفل نفسيا وتربويا وصحيا، مشيرا الى أن الأطفال دون سن الرابعة معرضون للإصابة بأمراض معدية وإسهالات في حال عدم توفر الشروط الصحية والسلامة العامة.

ويبين ان المستحضر المستخدم لتنويم الطفل بعد إذابته في طعامه بشكل متكرر لفترة طويلة يؤثر على نشاط ونمو دماغ الطفل، لافتا الى أن من بين الحالات التي عالجها جروح عميقة أصابت طفلا لارتطامه بحواف حادة لأثاث حضانة منزلية، داعيا الى وضع تعليمات خاصة بالحضانات المنزلية تضمن الصحة والسلامة العامة، وتُلزم بزيارة دورية لطبيب معتمد للكشف على الاطفال لدى المربية المختصة.

 

ويرى استشاري الامراض النفسية والحالات الإدمانية الدكتور عبدالله أبو عدس، أن الاطفال يعانون في الحضانات من التأثيرات والانماط السيكولوجية، والحزن والقهر نتيجة ترك والده او والدته له.

ويضيف، ان من الحالات التي تابعها لأطفال يعنّفون في تلك الحضانات، ظهور علامات التنمر والعناد والعصبية لدى الطفل تعبيرا عن القهر أو الضغوطات التي تمارس عليه يوميا في تلك الحضانات.

 

وبين ان هناك حالات لاطفال يجبرون على عمل أنشطة او تمارين لا يحبونها، او النوم لساعات طويلة ، أو تناول اطعمة معينة، ما يؤدي الى ضغط نفسي عليهم، ويكون حينها المخرج العاطفي والمسلكي لهم غير مقبول ويصبح أكثر عرضة للإصابة بالانماط القلقية، والخجل ووعدم الثقة بالنفس، والتبول،

 

و”النكوص” كقضم الاظافر او شد الشعر، ورفض الاوامر الاسرية.

وأشار ايضا الى تأثر الطفل بتغير الحاضانات او المربيات او وجود أكثر من مربية حيث تصبح شخصية الطفل حينها غير متزنة.

تقول خبيرة حقوق الانسان والمرأة والطفل المحامية رحاب القدومي، إن أي مبادرة لإنشاء حضانات منزلية بدون ترخيص، هي بحد ذاتها مخالفة قانونية، معتبرة ان اي ضرر يلحق بالأطفال في الحضانات المنزلية تقع مسؤوليته على المربية وفقا للقوانين.

وبينت ان هناك حقوقا للطفل وفقا للمواثيق والاتفاقيات الدولية، لحمايته من الاهمال او العنف الجنسي او النفسي او الجسدي وكافة اشكال الاستغلال.

وتوضح المحامية فاطمة الدباس أن هناك شروطا يجب توافرها في الحاضنة حددها قانون الاحوال الشخصية “بأن يكون الحاضن بالغاً عاقلاً سليماً من الأمراض المعدية الخطيرة أميناً على المحضون قادراً على تربيته وصيانته ديناً وخلقاً وصحة، وأن لا يضيع المحضون عنده لانشغاله عنه وأن لا يسكنه في بيت مبغضيه أو من يؤذيه”.

 

وأوضحت ان بعض المربيات او الحاضنات ينشغلن عن الاطفال الامر الذي يعرضهم الى كثير من الحوادث، وتكمن الخطورة لدى قيام المربية بجلب عاملات وافدات لمساعدتها في تربية الاطفال، وقد لا تتوفر في أية واحدة منهن مواصفات المربية الجيدة فهنّ قادمات من بيئات مختلفة، ما يعجز الاهالي حينها عن تقويم وإصلاح أبنائهم.

 

وتسعى منظمات تعنى بحقوق الطفل ومن بينها “اليونسيف” الى حماية الأطفال من العنف والاستغلال والإيذاء، لتأثيره على صحة الأطفال الجسدية والنفسية على المدى القصير والطويل، ويضعف قدرتهم على التعلم والاندماج في المجتمع.

 

تقول مديرة روضة وحضانة ادرس والعب صفاء الشواربه، ان الحضانات المعتمدة والمرخصة تكون مراقبة من الجهات المعنية، وفقا للشروط المعتمدة الخاصة بإنشاء الحضانة وكذلك تعيين الكادر التعليمي والتربوي بما فيها شهادة عدم محكومية

 

و شهادة خلو الامراض والشهادة الجامعية.

 

وتوضح ان ما يميز الحضانة المعتمدة عن غيرها من الحضانات، التزامها بفحوطات طبية دورية للأطفال ومتابعة الغذاء الصحي للطفل، ووجود كادر تربوي يقوّم سلوك الاطفال بالتعاون مع ذويهم.

 

ويقول مدير مديرية الاسرة والطفولة في وزارة التنمية الاجتماعية محمود الجبور ان الحضانات المنزلية موجودة بكثرة وبطريقة عشوائية، وكانت إذا ارتكبت أي مخالفة لا تملك وزارة التنمية الصلاحية لمنعها من عملها.

 

ويوضح ان الوزارة تسعى لضبط عمل الحضانات وفق آليات منبثقة عن نظام الحضانات الذي صدر في الجريدة الرسمية، ويهدف الى تنظيم الحضانات من خلال تحضير المرأة للالتحاق بسوق العمل ومساعدة بعض المناطق التي تنخفض فيها نسبة الحضانات.

مقالات ذات صلة