إنهم يحرّضون على قطر

حلمي الأسمر

حرير- الفشل الذي مُنيت به مستعمرة الكيان الصهيوني في فلسطين يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول أفقدها صوابها، وبدأت تبحث عن “مبرّرات” وأسبابٍ غير حقيقية له، ففضلا عن تحميل جيشها ومؤسّساتها الأمنية وقياداتها المسؤولية عن الهزيمة القاسية، ها هي تبحث عن “ضحايا” آخرين تبرّر إطلاق النار عليهم، باعتبارهم ممن يتحمّلون هذه المسؤولية عن البؤس الذي تعيشه اليوم، والذي يوصَف بأنه المأزق الأشدّ قسوةً وإيلاما في حياتها كلها. وفي هذا السياق، بدأ إعلامها العبري يصبّ جامّ غضبه على قطر بوصفها مرّةً “رأس الأفعى”، ومرّةً باعتبارها دولةً “في خدمة الإرهاب”.

مقالان نادران، أولهما الافتتاحي لإحدى أهم الصحف العبرية، “يديعوت أحرونوت”، والثاني في “هآرتس” لأحد أهم كتّابها، وكلاهما يحمّلان قطر المسؤولية عن الهزيمة في يوم “السبت الأسود” كما تسمّيه. وهما جزءٌ من عيّنة، يشيع مفهومُهما في كثير مما يكتبه أصحاب الرأي في الكيان. كتب المقال الأول آفي يسخروف، يوم 22/10/2023، عنوانه “قطر في خدمة الإرهاب”. ويحمل فيه الكاتب بشدة على قطر، لأنها هي التي موّلت حركة حماس إلى الدرجة التي تمكّنت فيها من إيقاع الهزيمة القاسية بالكيان. وفيه “ينبغي أن نقول ما كان ينبغي أن يُقال منذ زمن بعيد: قرار حكومات نتنياهو وبينيت، السماح بإدخال نحو 1.4 مليار شيكل في كل سنة إلى غزّة، ساعد حركة حماس في بناء البنية التحتية العسكرية. صحيحٌ أن المال لم يصل مباشرة إلى “عزّ الدين القسّام” لكنه سمح لـ”حماس” بأن توجّه أموال الضرائب التي تجبيها في صالح البنية التحتية العسكرية بدلا من المدنية. لقد ساعدت قطر في بناء إمبراطورية الإرهاب هذه، الأنفاق، الصواريخ وبالطبع تستضيف حتى في هذه اللحظة كل قيادة “حماس” السياسية التي توجد في الخارج. رئيس المكتب السياسي للمنظمة، إسماعيل هنية، الرجل رقم 1 ظاهرا (عمليا يحيى السنوار هو رقم 1)، وآخرين كثيرين من المكتب السياسي، يسكنون بشكل دائم في الدوحة، ويحظون هناك بحصانةٍ لا مبرّر لها. الموافقة الصامتة من إسرائيل على عمل قطر يجب أن تنتهي، مع الإيضاح أن كل مسؤول في حماس هو ابن موت في الدوحة أو في أي عاصمة عربية أو إسلامية أخرى”. ولا يخفى هنا أن المقال ينطوي على نوع من التهديد بالوصول إلى قادة “حماس” بهدف اغتيالهم، لا سمح الله، من دون اعتبار للمكان الذي يوجدون فيه.

المقال الثاني بقلم تسفي برئيل، عمّا سمي “مؤتمر القاهرة للسلام” وموقف قطر منه، كما أجمل صورة شاملة للدور الفريد الذي تلعبه قطر في المنطقة، وفيه “فتحت قطر في 2013 ممثلية لطالبان، حكّام أفغانستان. وقبل سنة سمحت لـ”حماس” بفتح ممثليّة في الدوحة، بعد أن قطعت هذه المنظّمة نفسها عن سورية. وهي تموّل وتساعد مليشياتٍ إسلاميةً متطرّفةً في سورية تعمل ضد الأسد. ومع تركيا هي تؤيد وتشغل مليشيات مسلّحة في ليبيا. وعلى الطريق هي أيضا استضافت الألعاب الأولمبية في الوقت الذي في المقابل توجد لها قناة حوار مباشرة مع إسرائيل، التي منحتها امتياز أن تكون الصرّاف الآلي لحماس”. قطر تُسمّى أحيانا “رأس الأفعى” للإرهاب، بحسب الكاتب، “بسبب دعمها التنظيمات والمليشيات الإرهابية. وهناك أيضا من يدعو الى قطع العلاقات بين قطر و”حماس” وهذه التنظيمات. ولكن لا يوجد لمن يقدّمون هذه النصيحة أي طريقةٍ لتطبيق نصائحهم. بالأساس، من غير الواضح ما هي فائدة هذه القطيعة، لو أنه احتلت مكان قطر دولة مثل إيران التي ستتمكّن عندها من تشغيلها كما تشغل حزب الله أو المليشيات الشيعية في العراق”.

والحقيقة أن التحريض الصهيوني ضد قطر لم يقف عند هذا الحد، فهناك تحريضٌ اتخذ نوعا من الفعل يوجّه ضد قناة الجزيرة، ففي بودكاست حول هذا الموضوع عنونه موقع “واي نت” العبري: (أداة دعاية أم خدمة للإرهاب: المعضلة الإسرائيلية مع الجزيرة). وذكر الموقع أن أسئلة تُطرح، في كل عمليةٍ عسكريةٍ أو حربٍ تقريبا، عن شبكة الجزيرة. ولم تقف الإمبراطورية الإعلامية القطرية إلى جانبنا قط، وربما ستُغلَق مكاتبها هذه المرّة بالكامل. وكيف وصلت إلى إسرائيل؟ ولماذا لن يأسفوا إذا تم إغلاق المكاتب في إسرائيل؟ وفي هذا السياق، نستذكر أن الحكومة الصهيونية وافقت على الأنظمة التي تسمح بإغلاق مكاتب الجزيرة في إسرائيل. وإن لم يتم استخدامها بعد، لكن هذا يمكن أن يحصل في أي وقت.

أجواء الجنون التي تسود الكيان الصهيوني يمكن أن تدفعها إلى ارتكاب “حماقات” من أي نوع، بحثا عن أي صورة لأي “انتصار” في ظل حالة الاستعصاء التي يُعاني منها هذا الكيان اليوم، وتردّد قياداته عن اتخاذ قرار الاجتياح البرّي لقطاع غزّة الذي تدحرج مفهومُه من “هجوم” إلى “مناورة”، بعد التصريحات المجنونة بضرورة “مسح حماس” من الوجود، بما ذلك استهداف طبقة القيادات فيها، عسكريةً كانت أو مدنية. لذلك لا يُستبعد أن تُحاول تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات حماس السياسية على الأراضي القطرية.

مقالات ذات صلة