إنّه لأمرٌ مُريب!.. محمد أبو رمان

شاهدت أمس فيديو قصيراً يتحدث عن مستقبل الأردن، أعدّته جهة مجهولة، مسكوناً بحديث الزوال وعدم الاستقرار، والحديث عن “مخطط دولي” أميركي-صهيوني يسعى إلى “تغيير الملامح” السياسية، وربما الجغرافية في البلاد!

يتزامن الفيديو مع انفجار مشاعر القلق لدى شريحة اجتماعية من المواطنين، بعدما انتشرت الإشاعات وعشعشت في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية. الأمر الذي أشار إليه الملك أول من أمس في ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء، وأصبح الشارع الأردني مسكوناً بحالة من الشك والريبة وعدم اليقين، تجاه ما يتم نشره وتوزيعه من إشاعات ومعلومات بعيدة تماماً عن أي منطق عقلاني وواقعي.

خرج علينا صحفيون وسياسيون يكتبون مقالات خيالية، ورأينا كاتباً إسرائيلياً لديه صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي متخصصاً بنشر هذه المخاوف يستحوذ على اهتمام نسبة كبيرة من الشارع، وللأسف لقي أذناً صاغية من مسؤولين، ما دفع بسياسي أردني عريق وفهيم إلى القول إنّ على الحكومة الأردنية التفكير فعلاً في تلك الأجندة الإعلامية المقصودة لإثارة هذه البلبلة؟ ومن يقف وراءها؟ وما هي أهدافها؟

هل هنالك أيدٍ خفيّة (وراء هذه الأجندة الإعلامية المريبة) تريد أن تحدث حالة من الهلع؟ أم هي رسالة تهديد للأردن لزحزحة مواقفه تجاه ملفات مهمة، وفي مقدمتها الموقف من القدس والقضية الفلسطينية وقضايا إقليمية أخرى، كما ذهب بعض المحللين؟

ثمّة ما يعزّز هذه “النظرية” لدى سياسيين أردنيين كبار، ويدلّلون عليها بوجود خلافات أردنية إسرائيلية كبيرة اليوم. والأخطر هو وجود فريق أميركي محيط بترامب (سواء نائبه مايك بنس، وصهره جاريد كوشنير أو وزير الخارجية أو حتى سفير أميركا في إسرائيل، وسفير إسرائيل في أميركا، أو مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة..) موالٍ لإسرائيل ولمصالحها أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، ما يجعلهم -أي حلفاء إسرائيل- يحاولون استثمار فرصة الضعف الاستراتيجي العربي والفلسطيني والحصول على مكاسب كبيرة لصالح إسرائيل، بينما يقف الأردن حجر عثرة، بل صخرة صلبة في وجه هذا المشروع.

ليس بعيداً عن هذه النظرية ما كشفته مجلة السياسة الخارجية الأميركية Foreign Policy قبل أيام من وجود خطة كبيرة لدى كوشنير للتخلص من وضع “اللاجئ” لملايين الفلسطينيين (أغلبهم في الأردن)، عبر إنهاء عمل الأونروا (وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة)، بمعنى أنّ قصة الأونروا ليست مرتبطة بعجز مالي بحت، نتيجة تجفيف المساعدات الأميركية لها، بل بأجندة سياسية خطيرة لتثبيت قضايا الحل النهائي، وإنهائها: مثل اللاجئين وحق العودة والقدس والحدود، على أرض الواقع، وهو ما يرتطم بطبيعة الحال بالأمن الوطني الأردني وبالمعادلة الداخلية!

إذاً بالفعل هنالك أمر مريب يحدث مع الإدارة الأميركية الحالية، وتصفية القضية الفلسطينية، وربما يكون لهذا أو ذاك علاقة بالأجندة الإعلامية المشبوهة السابقة.

مع ذلك، فما يزعجنا ويقلقنا بحق هو الوضع الداخلي وحالة “عدم اليقين”، التي ما تزال تسكن سياسيين وشريحة اجتماعية، وهي بالمناسبة ليست جديدة، نراها عند كل منعطف أو مرحلة حساسة نمرّ بها، لكن من الضروري أن نتجاوزها وأن تكون ثقتنا بأنفسنا وبوطننا وبمستقبلنا أكبر بكثير من كلام في الهواء وإشاعات وأجندات مشبوهة.

آن الأوان أن نخلع من عقول نخبة من السياسيين والمثقفين مفهوم “الكيان الوظيفي” للدولة الأردنية، وأن نؤمن بالوطن والدولة والمجتمع والشعب والهوية الوطنية الجامعة ونحن على أعتاب مئوية تأسيس الدولة.

مقالات ذات صلة