مبتدأ وخبر

د. هاشم غرايبة

حرير- المبتدأ: سرت إشاعة في الغابة أن الليث أصابه سقم شديد، وهو يرقد في مغارة يحتضر، سمع الحمار وأطمعه الخبر في أن ينال من هذا الذي ظل يختال في الغابة مهابا، فيما ينزوي الحمار في ذلة مختبئا، جاءه قائلا سمعت أنك مريض وجئت أعودك، فشكره الأسد، ولما رآه لا يقوى على النهوض قال: إن لدي دواء لك لكنه يحتاج الى تربيط يديك وساقيك، فأجابه لا عليك إن كان فيه شفاء فافعل.

ولما شد الحمار وثاقه واطمأن أخذ يرفسه بلا هوادة حتى شفى غليله، ثم مضى في سبيله ينهق طربا بما فعل.

عند المساء مر فأر راعه صوت أنين الليث المتوجع، فسأله ما به، فأخبره بالقصة ورجاه أن يحل وثاقه، فأخذ الفأر يقرض الحبال حتى قطّعها، ولما تحرر الليث أخذ يجمع متاعه متأهبا للرحيل، فسأله الفأر الى أين ؟..ألا تنتقم من الحمار الغدار أولاً!؟، رد عليه دامع العينين:

لا خير في وطن ساد الحمار به …والفأر ذو شأن والليث يُحتقر

الخبر: بعد محاكمة هزلية للرئيس العراقي الراحل “صدام حسين”، تم الحكم عليه بالإعدام، نفذ الحكم على استعجال، وذلك لأن جورج بوش كان يريد رأس صدام قبيل الانتخابات التي كانت على الأبواب وقتها ليحقق بها نصرا زائفا.

ولتحقيق رغبته فقد جرى تغيير أعضاء هيئة المحكمة ثلاث مرات، وقتل ثلاثة من المحامين الذين كانوا يترافعون عن الرئيس صدام حسين، فضلا عن واقعة طرد المحامي الأمريكي رمزي كلارك، عندما اعترض على شرعية المحاكمة، وكذلك المحامية اللبنانية بشري خليل، عندما أبدت اعتراضا قانونيا على إجراءات المحاكمة.

المحكمة استندت في قرارها الى حادثتين اعتبرته مدانا فيهما.

الأولى هي المعروفة بقضية الدجيل وتتلخص وقائعها بأنه لدى زيارة “صدام” لبلدة الدجيل التي كانت معقل لحزب الدعوة الشيعي، نصب له بعض مسلحي الحزب كمينا في طريق عودته بهدف اغتياله، فشلت المحاولة، وبعدها جرت اعتقالات واسعة، واعدم أكثر من 190 شخصا اعترفوا بمشاركتهم.

الثانية هي المسماة مأساة حلبجة، والتي حدثت في نهايات الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، حيث تعرضت هذه القرية الى قصف كيماوي ذهب ضحيته آلاف المدنيين، ولم يتوفر حينها أي تحقيق مستقل ليبين من هو المسؤول، لكن أمريكا التي كانت آنذاك تبيت النية لغزو العراق، اتهمت الجانب العراقي، وبرأت ايران التي كانت بحاجة لدعمها اللوجستي حين الغزو.

في القضية الأولى بطش الحاكم الذي يتعرض لمحاولة الاغتيال أمر تعود العالم عليه، ولم ينفرد صدام به، فقد رأينا “مبارك” كيف قمع وبقسوة كل الإسلاميين في مصر وليس فقط من حاولوا اغتياله في الحبشة عام 95، كما أباد الأسد الآلاف في حماه عام 82 ، وحتى “بوش” وبذريعة محاولة اغتياله المزعومة في الكويت عام 93 قصف بغداد وقتل المئات.

ولم نر أحدا من هؤلاء الرؤساء وغيرهم قد حوكم على فعلته.

أما عن قضية حلبجة، فقد تم مؤخرا تسريب محتويات تقرير قدمته لجنة أمريكية الى الكونجرس بعد أن زارت حلبجه وجمعت عينات منها بناء على دعوة من العراق بعيد الحادثة، وتوصلت الى أن الغاز المستعمل في الغارة هو السيانيد، وهو أصلا وبناء على المعلومات الاستخبارية الأمريكية، غير متوفر في المخزون العراقي من الأسلحة الكيميائية بل الإيرانية.

كما أوردت اللجنة استنتاجا منطقيا بناء على رويات الشهود، وهو أن الجنود الإيرانيين انسحبوا قبيل الغارة، وكانوا يحملون أقنعة الغاز، ولم يسجل أصابة إيراني في هذه الحادثة، بينما مات المئات من الجنود العراقيين.

لكن بوش أخفى التقرير لأنه كان يريد تهيئة العالم لكذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.

الآن وبعد مرور عشرين عاما، ينبغي التساؤل: ماذا استفاد العراق والعراقيون من تغيير النظام؟.

فهل سكنت ثائرة الطائفيين الذين كانوا يعتقدون أن حكم صدام (السني) انتقاص من حق الشيعة بالحكم؟.

وها قد أصبح تداول السلطة مقصورا على طبقة محددة من بين الشيعة، فهل نالوا حقوقهم أم ضاعت كما ضاعت حقوق غيرهم؟.

لكن السؤال الأهم: هل العراق بات في مكانة سياسية واقتصادية أفضل أم أسوأ.

رحل صدام .. لكن المؤكد أنه لو بقي حيا، لتمنى أن يتوفاه الله، فلم يعد في وطنه قيمة للأسود.

مقالات ذات صلة