في الرعي غير الجائر

يوسف غيشان

حرير- في قديم الزمان، لكن ليس في غابر الأجيال، كانت مدينة قرطبة الأندلسية تحت الحكم العربي في أواخر عهده،وقد حاصرها الملك الإسباني فرناندو الثالث، وأحكم الطوق عليها.

كان للمدينة سبعة أبواب، بعضها ما زال قائما حتى الان، لكن الحصار الشديد منع أهلها من القدرة على استعمال الأبواب، ولم تعد الخراف والماعز المنتشرة بكثرة قادرة على الخروج بمعية الرعيان إلى البراري المحيطة لممارسة الرعي.

اقترح أهل المدينة على الحاكم العربي للمدينة أن يفتحوا بابا سريا في منطقة وعرة من السور، حتى يستطيعوا إرسال ماشيتهم إلى المراعي، وتدبير شؤونهم الحياتية الأخرى. أعجب الاقتراح الملك وأمر بفتح الباب، فصارت الماشية تذهب وتعود من المراعي (سرّي مرّي).

لكن حساب السرايا لم يطابق حساب القرايا، كالعادة في كل زمان ومكان، فقد عرف الجنود الإسبان بأمر الباب، بعد أن لاحظوا الحركة النشطة للكائنات الحية من تلك المنطقة، فتسلل 12 جنديا من ذلك الباب المستحدث، وقتلوا الحامية، واقتحم جيش فرناندو الخامس المدينة واحتلها ونهبها.

وقبل ان يهرب الملك العربي من قرطبة أطلق حكمته التاريخية: (ما كان أغنانا عن هذا الباب!) فاعجبت العبارة الإسبان، واطلقوا على ذلك الباب اسم(اكسكوساداExusada ) وتعني بالإسبانية الباب الذي لا فائدة منه.

لم يبق لباب اكسكوكادا من أثر، عدا الاسم والقصة التاريخية، لكن باب المدوّر الذي دخل منه فرناندوا إلى المدينة، بعد فتحها، ما تزال بعض آثاره باقية.

اختفى الباب لكن فكرة الأكسكوسادا ما تزال باقية فينا، ونحن نكررها كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وثانية وثالثة، ولم نستفد من أخطائنا قط، بل نحن نستثمر في اخطائنا، ونسلّمها حاضرنا ومستقبلنا.

نحن –العرب-…نحن -ما غيرنا- من يفتح الأبواب التي لا فائدة منها لنا، لا بل أننا نعبّدها على حسابنا، ونرشمها بعواميد الكهرباء، حتى يستطيع من يريد أن يقتحمنا ليلا أو نهارا، سرا أو جهارا، الوصول إلى بغيته بكل راحة واطمئنان، لا بل أننا نبني له الاستراحات والبوفيهات المفتوحة ونوزع السناكات المجانية على الطريق، لغايات إراحة المحتل من وعثاء السفر.

هل بالغت؟؟؟؟

إحكولي

مقالات ذات صلة