هل نعيش أسرى للإشاعات؟.. فهد الخيطان
لم يبق إشاعة إلا وسمعناها في الأسبوعين الأخيرين. زلزال مدمر سيضرب الأردن خلال أيام والمصدر تقرير إسرائيلي مجهول. صفقة القرن في الطريق إلينا، وستقضي على الأردن وجودا وكيانا. المؤامرة أكبر من ذلك؛ حلفاء موثوقون باعونا، لقد أصبحنا يتامى. زيارة الملك الخاصة لم تسلم من الإشاعات، تقارير مفبركة وأخبار مزيفة يتناقلها الناس وكأنها حقائق. إلى هذا القدر نفقد الثقة بأنفسنا وبوطننا، يتصرف بعضنا وكأنهم أطفال صغار ضاعوا في الشوارع.
نرتجف من الخوف مع كل كلمة يقولها محلل إسرائيلي لا يساوي “فشكة”، أو إشاعة ساذجة يطلقها مغرد مجهول يدعي المعرفة في دهاليز الاستخبارات العالمية. نتناقل القصص مثلما كنا في زمن “الغولة” يوم كانت أمهاتنا ترعبنا بقصتها كي ننام ونهدأ.
خفيفون إلى هذا الحد، قلقون لهذه الدرجة. دولتنا التي قاربت مائة عام من عمرها تغدو في نظر البعض وكأنها ورقة شجر ستذهب مع أول هبة ريح.
اعتداء جبان على شرطي سير أدانه الجميع وتحركت سلطة القانون لتحاسب مرتكبيه، تحول لمناسبة للطعن بمؤسسات وأجهزة تسهر على حمايتنا، استنادا لمعلومات كاذبة. بعد الحادث بيوم واحد فقط كان رئيس الوزراء عمر الرزاز في مركز أمني وسط البلد ليؤكد من هناك أن المعتدين سينالون عقابهم بصرف النظر عن أي اعتبار.
دخان “مطيع” ملأ سماء عمان، حتى غدا كل واحد فينا يظن أن جاره متورط في الفضيحة. لم نرحم كبيرا ولا صغيرا، نسينا السراقين واشتغلنا ببعضنا بعضا. كسرنا كل المحرمات والمحصنات، لنرسم صورة قاتمة لبلادنا ومجتمعنا.
ثمة مشكلة عويصة، أننا لم نعد نميز بين الخطأ والصواب. التعميم صار صفة لأحكامنا ومواقفنا. نفكر بالماضي ونجله أكثر من المستقبل. لن يسعفنا الماضي أبدا، مصيرنا في مستقبلنا.
قال حكيم يوما لا تنظر إلى الخلف لأنك لن ترى غير غبار حذائك، انظر إلى المستقبل لترى النور.
لسنا في أحسن حال، لكن حالنا مثل كثيرين في العالم، نكافح لكي نتقدم، نعاني كثيرا في رحلة البقاء والتحضر ليكون لنا مكان بين المتحضرين. فوق رؤوسنا أكوام من التحديات والمشاكل، واجهنا مثلها وأكثر في الماضي ثم عبرنا.
الكبار في العمر والتجربة اختبروا في حياتهم أياما صعبة، عاشوا سنوات التآمر والكيد والإشاعات المغرضة، ويعلمون أكثر منا كيف تجاوزناها بسلام.
مؤسف أننا في زمن التقنية الرقمية والانفتاح والمعرفة، ونرتجف على هذا النحو أمام أخبار مزيفة، وقصص مفبركة، فنعود لزمن الهمس والثرثرة خلف الجدران عن مصيرنا المجهول، والخطر المحدق بالبلاد والنظام.
لم أتخيل يوما أن أحدا سيمس الجيش العربي بالسوء؛ الجيش الذي حمى ترابنا وشرفنا يوم استباحت قوى الإرهاب والشر دولا وشعوبا وداست وتاجرت بأعراضها.
ربما تكون ذاكرتنا قصيرة، لكن المآسي من حولنا تذكرنا كل يوم بأننا نجونا من الخراب بفضل إرادتنا وتمسكنا بالحياة، لأننا شعب يستحق الحياة فعلا، ولا يستسلم لثقافة اليأس التي يشيعها أعداؤنا في الداخل والخارج.