عن نذر التصعيد في البلقان

باسل الحاج جاسم

حرير- ما كان من المفترض أن يكون حلاً لحرب كوسوفو تحول إلى صراع مجمّد منذ عام 1999، وبات العالم يواجه نزاعاً مجمّداً قد يتحوّل من السلام إلى الحرب في غمضة عين، على رغم المخاطر الكبيرة المتوقعة لجميع الأطراف الفاعلة المعنية والمتداخلة في علاقات مع كوسوفو وصربيا على حد سواء، وخصوصا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا.

نحن اليوم أمام بيئة أمنية هشّة، ومقوّمات النزاع لا تزال قائمة، مع انعكاس للصراع الدولي في ساحات أخرى على منطقة البلقان، في ظل توتر مستمر بين صربيا وكوسوفو، يزيد الأزمة اشتعالاً، ويقلق الجميع إقليمياً ودولياً. يشهد العالم هذه الأيام جولة جديدة من الصراع بين كوسوفو التي تبحث عن عضوية في الأمم المتحدة، وصربيا التي رفضت الاعتراف باستقلال كوسوفو، وتعتبرها جزءا من أراضيها وتدعم الأقلية الصربية فيها، وعدم اعتراف روسيا والصين باستقلال كوسوفو يمنع عضويتها في الأمم المتحدة. وهي التي أعلنت استقلالها عن صربيا في عام 2008، وعلى الرغم من أن 117 دولة تعترف بها، إلا أن صرب كوسوفو لا يعترفون بسلطة بريشتينا ولا باستقلال كوسوفو، وحافظوا على ولائهم لبلغراد التي يعتمدون عليها مالياً، وهذا هو السبب الرئيس للمشكلات والأزمات والتوترات المستمرّة بينهما.

وكوسوفو، البلد الصغير غير الساحلي في البلقان يشترك بحدود مع ألبانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وصربيا، ويعتبره الصرب مهد دولتهم، ويقدّر عدد سكان كوسوفو بقرابة مليوني نسمة، يشكّل الألبان نسبة 93% منهم، وتتوزّع النسبة الباقية بين الصرب والبوشناق والأتراك والغجر.

وقد تصاعد التوتر في شمال كوسوفو في منتصف العام الماضي، بعد صدور قانون يُلزم السكان بالحصول على بطاقات هوية من إصدار كوسوفو، وإلغاء الاعتراف بلوحات الأرقام الصربية التي تستخدمها في السيارات بمنطقة الشمال التي تسكنها الأقلية الصربية، واستبدالها بلوحاتٍ من إصدار البلد. وفي ردّ فعل رافض لهذه الخطوة، قدّم رؤساء البلديات ورجال الأمن من الصرب استقالاتهم، ما دفع حكومة كوسوفو إلى تنظيم انتخابات مبكرة قاطعتها الأقلية الصربية، ولم يعترف صرب كوسوفو بنتائجها، ونظّموا احتجاجات في أواخر مايو/ أيار الماضي، لمنع رؤساء البلديات من دخول مقارّ أعمالهم، معتبرين أن الانتخابات التي أتت بهم، وجميعهم من الألبان، لا تمثل الأغلبية في تلك البلديات، حيث شارك في الاقتراع حوالى 1500 ناخب، من إجمالي 45 ألفاً يحقّ لهم الانتخاب.

وتعتبر الأزمة الجديدة التي تشهدها المنطقة الأكبر والأخطر منذ سنوات، ولا يزال التوتر يسود الوضع في شمال كوسوفو على الحدود مع صربيا، وسط تحذيرات من أن الحرب الأوروبية المقبلة قد تبدأ في كوسوفو.

وكان الاتحاد الأوروبي قد سعى منذ 2011 إلى إدماج صرب كوسوفو في آليات الدولة ضمن إطار “عملية الحوار بين كوسوفو وصربيا”، وتريد كوسوفو أن ينتهي الحوار مع صربيا بالاعتراف المتبادل، لكن صربيا قالت إنها لن تعترف أبداً بإقليمها السابق. ووفق مصادر عديدة، هناك ضغوط تهدف لتشكيل ما يعرف بـ”اتحاد البلديات الصربية” في شمال كوسوفو، ويتمتع بسيادة تتجاوز الحكم الذاتي، وتقترب من شبه الاستقلال، وقد يتماشى ذلك مع مصالح بلغراد، ويجعلها لاحقاً تعترف بالجزء الآخر من كوسوفو دولة مستقلة، وهو ما يحظى برضى الدول الأوروبية، ويؤهل صربيا للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.

ترفض بريشتينا هيكل “اتحاد البلديات الصربية” وتعتبره “غير دستوري”، ويثير قلقها وجود كيان صربي في شمال كوسوفو، وتأثير ذلك على مصير كوسوفو بأكملها. وفي المقابل، هناك من يعتبر أن تفعيل هذا الاتحاد هو الطريقة الوحيدة التي ستصلح على الأمد الطويل الخلل في “التجربة السياسية” بالمنطقة.

وتدرك كوسوفو وصربيا أنّ لا واشنطن ولا الاتحاد الأوروبي يرغبان في تفجر الأوضاع وفتح جبهة جديدة في أوروبا قد يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى في البلقان، ولا يتمتّع الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة اليوم برفاهية السماح بنشوب حربٍ جديدةٍ في “ساحتهما الخلفية”، سوف يتردّد صداها ضعفا استراتيجيا على روسيا في الحرب المستمرّة في أوكرانيا. ويتفق الموقفان الأميركي والأوروبي على عدم السماح بتدهور الوضع ليصل إلى مواجهة عسكرية، وسيستخدمان كل الوسائل للضغط على بلغراد وبريشتينا لقبول الحلول السياسية، بما في ذلك العقوبات، وفق تصريحات مبعوثيهما الى المنطقة، أما روسيا فقد أعلنت تأييدها التام لموقف صربيا. وسبق أن كشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن روسيا تدعم صربيا لتحقيق أهداف استراتيجية عديدة، بينها إضعاف المعسكر الغربي، مستغلة عدم اعتراف خمسة أعضاء من الاتحاد الأوروبي بكوسوفو دولة مستقلة، إسبانيا واليونان ورومانيا وسلوفاكيا وقبرص، علما أن هذه الدول، ما عدا قبرص، أعضاء أيضاً في حلف الناتو.

ليست روسيا غريبة عن البلقان، حيث تجمع موسكو وبلغراد مصالح اقتصادية، ولا سيما في قطاع الطاقة، إضافة إلى اشتراكهما في الأرثوذكسية. ولافت أن الرأي العام في صربيا يميل إلى الرئيس فلاديمير بوتين، حيث يرى فيه الشخص الوحيد الذي استطاع الوقوف في وجه الولايات المتحدة التي ساهمت في قصف صربيا عام 1999.

مقالات ذات صلة