فضاء الحرية

ثلاجة بحجم غرفة تابعة لشركة مواد غذائية. يدخلها عامل ليجرد عدد الصناديق. وبينما هو منهمك يسقط صندوق، ويغلق باب الثلاجة الذي لا يفتح إلا من الخارج.

يرتبك العامل ويستشيط غضباً، ويأخذ بالطرق على الباب بقوة، دون أن يفتح له أحد، فقد كان ذلك نهاية الدوام، والموظفون قد أغلقوا المصنع وغادروا، ولسوء الحظ، أن هذا اليوم آخر الأسبوع، واليومين القادمين عطلة رسمية.
بعد أن تعب الرجل من الطرق ويئس من أن أحداً سمعه، عرف أنه لا محالة هالك في دقائق أو لحظات، وأنه سيتجمد مثل ذبيحة مستوردة، فجلس قانعاً متلقياً مصيره المحتوم.
بعد العطلة فتح الموظفون الثلاجة وفجعوا بزميلهم ميتاً، وبجواره ورقة كتب فيها بخط راعش: (أنا الآن محبوس في هذه الثلاجة الحقيرة، وأحس بأطرافي تتجمد، وأصابعي تتوقف من البرد، وها أنا لا أستطيع أن أتحرك نهائياً. لقد دب الجليد في أوصالي. ولهذا أنا ميت).
الكتابة كانت تضعف شيئاً فشيئاً، حتى أصبح الخط وكأنه انقطع فجأة. لكن الفاجعة الأكبر التي صدمت الموظفين ورجال الإسعاف، وفغرت أفواههم من الدهشة والعجب والتساؤل، أن الثلاجة الكبيرة كانت مطفأة، بل ومعطلة أساساً، ولم تكن متصلة بالكهرباء. فمن قتل هذا الرجل، الذي كان بإمكانه أن يقضي اليومين مع وجود الطعام والماء الكافيين؟!.
الدراسات الحديثة تثبت أن للرسائل السلبية الموجهة إلى العقل الباطن للإنسان تأثيراً فعالاً وخطيراً على أفكار الفرد، ومعتقداته. وبالتالي على سلوكه وتصرفاته، فعندما يستقبل أحدنا رسائل سلبية من بريد نفسه، رسائل تقلل من قدره ومكانته، أو من مواهبه وأفكاره مثل (لا يمكن أن أنجح أو أخرج) أو (هل تعتقد أنك أذكى من الآخرين؟!) أو (إن أحلامك مستحيلة التحقيق)، أو (سأموت برداً)، وإنك لن تتحرر، ولن تقوى على هذا الديكتاتور. عندها يستسلم الفرد لها ويصدقها، فتدخل إلى العقل الباطن، وترسخ فيه، وعند أي محاولة للعمل والإنجاز والتميز، ستظهر هذه الرسائل بشكل واضح بشكل باب لا يفتح.
الوهم هو الذي قتل الرجل بهذه الطريقة المخجلة. البرد لم يقتل الرجل، بل قتله وهمه. وكم من أناس قتلهم ويقتلهم وهمهم. أو يؤخرهم، أو يبقيهم على قيد التخلف، والجبن والتخاذل. وقيد العبودية وأسر الاستبداد وهيمنة الديكتاتور. فتحيةٌ لكل الشعوب التي ارسلت رسائل عنفوان إلى عقلها الباطن، ثم كسرت الأبواب، وخرجت لفضاء الحرية.

مقالات ذات صلة