خفّوا علينا يا جماعة..أحمد العكايلة

خفّوا علينا يا جماعة..

انا فعليّاً تستفزني حالة “الصدمة” التي يظهرها البعض بما جرى في مدرسة الفيصلية أو في جامعة آل البيت.. و كأنّ أحداث العنف المدرسي أو الجهوي حالة غريبة عن مجتمعنا.. ربما يفسّر هذه الصدمة “المصطنعة” هو حالة التعالي النخبوي الذي تحب أن تمارسه النخبة الثقافية على مجتمعها و الحديث عن آفاته بنبرة ازدراء و تشاؤمية أفضل من يعبّر عنها إعلاميو البرامج الصباحية الذين يُشبعون شعبنا بهدلة على هالصبح

إذا أردنا أن نحلل فكرة المدرسة الحديثة.. فهي نموذج للتعليم برز مع الثورة الصناعية في أوروبا و اقتبس شكله الأولي في الانضباط و الرتابة من الشكل العملي الذي يُراد ان تخدمه هذه العملية التعليمية ألا و هو المصنع..

في عالمنا العربي.. اقتبسنا هذا النموذج مع نهايات القرن الثامن عشر عند بداية موجة التحديث التي قام بها محمد علي الكبير في مصر.. دون موائمة هذه الفكرة مع ثقافتنا و منطلقاتها… فسلْخ التعليم عن دور العبادة نزع عن التعليم بعده العلوي و المقدس دون محاولة لتعويض هذا البعد عند أقوامٍ يُشكّل المقدّسُ تكويناً أساساً في شخصيتهم الحضارية..أي دون إعطاء التعليم بعداً معنوياً يدفع عجلة التعليم نحو هدف أسمى.. كما أنّ ضعف التطور الصناعي في دولنا جعلنا نستورد نموذجاً دون القدرة على الوصول إلى مآلاته..فلم يعد هناك من فائدة عملية لفكرة المدرسة في شكلها الرتيب و التراتبي إلا دورها في هندسة المجتمع العربي على الاتكالية و قابلية الاستبداد

فعلياً.. و كما يقول باولو فيراري.. فإنّ التعليم التلقيني الذي تمارسه مدارسنا ضمن كبسولات القاعات الصفية يورث الطلبة احتياجهم الدائم لمن هو فوقهم الاستاذ/المدير.. في تلقي المعلومة.. دون أي تنمية لقدراتهم الفردية أو تعزيز لشخصيتهم.. مع محاولات جادة لكبت الطاقات و تذويب الفرد بالمجموع التابع للفرد المطلق مالك المعلومة المطلقة.. مما ينتج مجتمعاً خانعاً و قابلاً للاستبداد و الانقياد.. فااتعليم يا سادة ليس عملية نقل و امتلاك و تخزين للمعلومات… التعليم و منظومته من أهم وسائل هندسة المجتمع و بنائه.

المدرسة في وعينا أو لاوعينا رمزٌ للسلطة.. السلطة التي تكبتنا جميعاً.. و تمردنا فيها جزء لا يتجزّأ من تمرد الإنسان على السلطة أيّاً كانت.. و في مجتمعنا الذي يعاني من الاضطرابات ما يعاني.. و الذي تعرضت منظومته التعليمية للتهشيم الممنهج و التفريغ التام من المحتوى الوطني الذي ينمّي شعور الانتماء الزماني و المكاني للمحيط الذي يعيش فيه الطالب فإن ما يجري فيها أمر طبيعي و طبيعي جداً.. بالتالي فإن التحليلات الثقافوية التي تحاول أن تضفي على المشهد نوعاً من الذهول مما يجري هي في صميمها تحاول إعفاء الواقع و القائمين عليه من مسؤوليتهم تجاه ما يجري لصالح إلقاء اللوم على ثقافة الشعب و مؤهلاته البنيوية.. و هذا عيب أخلاقياً

آما سياسياً.. “و السياسي يوظف حتى الهواء في ظل الأزمة” .. فمن له مصلحة بإظهارنا شعباً همجيّاً..لا يقبل ببعضه و ينكر ذاته و يهدم أركان مؤسساته و منجزاته.. من له مصلحة بإظهارنا مجموعة من الرعاع المتخلفين.. من أحداث الشوابكة و الصخور مروراً بالانقسام الثقافي/الاجتماعي على الرابع.. وصولاً لأزمة تأبين أبو علي مصطفى و ما رافقها.. و ليس انتهاءً بما جرى في مدارسنا يوم أمس؟

أحمد العكايلة

مقالات ذات صلة