لا تساعدوا نتنياهو

ياسر أبو هلالة

حرير- مهما بلغت الأزمة السياسية في دولة الاحتلال، فلن تنهار بالشكل الذي نتمنّاه، لكنها تُضعف ولو قليلا. وهذا مكسبٌ كبير لنا. لنتذكّر صورة نتنياهو في أيام ترامب، وهو يحتفل بانتصاراته في نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاستيطان في الجولان برعاية أميركية والاتفاقات الإبراهيمية وقفزات التطبيع، وصورته اليوم منبوذا هو وفريق الدواعش الصهاينة الذين ضاق بهم المجتمع الصهيوني.

لن ينهار اقتصادهم المبنيّ على المعرفة والتقنية والصناعات التقنية والعسكرية، وأخيرا الغاز والنفط، ولن يفكّكوا برنامجهم النووي ولا تطبيقات التجسّس والاختراق، لكنهم يفقدون أبرز مصادر قوتهم، وهو الوحدة في إطار التنوّع، وتنظيم الخلاف من خلال الاحتكام للصندوق والقضاء. للمرّة الأولى، يشاهد العرب استقطابا ثقافيا وسياسيا بشكلٍ يهدّد دولة العدو التي ظلت منذ تأسيسها متماسكةً تحول كل أشكال الاختلاف الثقافي والديني والسياسية إلى مصدر تنوع وثراء، كان هذا مصدر القوة الذي انتصرت فيه على العرب المتفرقين، وما يشهدونه في إسرائيل اليوم هو ما نشاهده في العالم العربي منذ دولة الاستقلال.

لقد افتخر مؤسّس دولة إسرائيل، بن غوريون، بأنه أقام إسرائيل من 52 جنسية وفوقهم أصحاب الأرض الأصليون، وبقدر ما جمع شتات اليهود الثقافي واللغوي والعرقي والسياسي من بولندا إلى العراق، ومن كندا إلى اليمن، حاول تفتيت المجتمع العربي الفلسطيني، بدوا وحضرا ومدنا وقرى ودروزا وشركسا ومسيحيين ومسلمين. ‏لقد تعلّم نتنياهو من العرب بدلا من أن يتعلّموا منه، فهو يضحّي بتقسيم البلد من أجل البقاء في السلطة. من المهم أن تُعمّق نقطة الضعف هذه وترك التفاعلات تبلغ مداها. على المؤمنين بخط المقاومة أن لا يساعدوا نتنياهو بإيجاد عدوّ يتحد المجتمع الإسرائيلي في مواجهته. لا يعني هذا تسليم السلاح ونشر ثقافة الهزيمة، بقدر ما يعني الهدنة والاستعداد لمواجهةٍ يكون العدو في أضعف حالاته فيها.

وعربيا، من المفروض الاستفادة من هذه اللحظة بالتماسك وراء الحق الفلسطيني والعربي (الجولان السوري محتل بالمناسبة). ومن حسن الحظ أن الشقاق الذي ضرب دولة الاحتلال جاء في وقتٍ انخفضت فيه وتيرة التطبيع. وليس أدل على ذلك من توجيه دول مجلس التعاون الخليجي رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي، بلينكن، تدين وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، لتعليقاته الأخيرة عن الفلسطينيين. حثّت الرسالة بلينكن على “الرد على جميع التدابير والبيانات التي تستهدف الشعب الفلسطيني”. والمهم في هذه الرسالة توقيع الإمارات والبحرين عليها. وبحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”: “تظهر علاقات إسرائيل مع شركائها العرب علامات على إجهاد كبير”. وهذا لا ينفصل عن التحوّل الاستراتيجي في المصالحة بين إيران والسعودية، ومع أنها لا تزال في بداياتها، فإنها قد تمنح فرصة تاريخية للعرب، بحيث يضغطون بإيران على إسرائيل، بدلا مما يحدث دائما وهو العكس.

‏تُظهر استطلاعات رأي عديدة، سواء التي تجريها مؤسسات صهيونية، مثل مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أم مؤّسسات مهنية، مثل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في الدوحة، والذي يصدر سنويا “المؤشّر العربي”، رفض الأكثرية عربيا وخليجيا التطبيع مع دولة الاحتلال، وهو ما يعني أن دول الخليج بقدر ما تبتعد عن إسرائيل تقترب إلى مشاعر شعوبها، مع الإشارة إلى أن الموقف تجاه إيران لا يزال عدائيا، ولو بدرجة أقل كثيرا من إسرائيل.

وقد أفاد “المؤشّر العربي”، في إجابات المستطلعين، بشأن الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، بأنّ 84% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الأمرين، وفسّروا موقفهم بعدة عوامل وأسباب؛ معظمها مرتبطٌ بطبيعتها الاستعمارية والعنصرية والتوسعية. وأظهر استطلاع رأي معهد واشنطن، المعروف بدعمه التطبيع، أن 45٪ من البحرينيين يحملون وجهات نظر إيجابية إلى حد ما بشأن الاتفاقيات مع إسرائيل، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، غير أن هذا الدعم تآكل بشكل مطرد إلى 20٪ بحلول مارس/ آذار الجاري.

الاتجاه هو نفسه في دولة الإمارات، زادت نسبة 49٪ الذين لا يوافقون على اتفاقات أبراهام في عام 2020 إلى أكثر من الثلثين اعتبارا من الشهر الماضي (فبراير/ شباط). و31٪ فقط من المغاربة يفضلون التطبيع، وفقا للباروميتر العربي. وهو ما دفع “تايمز أوف إسرائيل” إلى الاستنتاج بأنه “لا يبدو أن المملكة العربية السعودية، الجائزة الرئيسية للدبلوماسية الإسرائيلية في العالم العربي، تتحرّك نحو اتفاق مع إسرائيل. في الواقع، وقعت في وقت سابق من هذا الشهر اتفاقية رئيسية مع إيران العدو اللدود لإسرائيل”. وقال مدير مركز سياسات الطاقة الناشئة في الشرق الأوسط، جوشوا كراسنا، إنه “عندما تنظر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى إسرائيل الآن، يقولون إنه لن يخرج أي شيء جيد جدا من هذا في المستقبل القريب”.

باختصار، المقاومة المتسرّعة تخدم نتنياهو تماما كالتطبيع المتسرّع. ما يحصل حتى الآن معقول. المأمول أن يتطوّر بشكل دعم أكبر للشعب الفلسطيني، وقطيعة أكبر مع دولة الاحتلال. والمعركة مع الصهيونية المستمرّة منذ قرن لن تحسم في أيام، وهي لا تكسب بالضربة القاضية، وإنما بالنقاط. ومن حظنا أن فريقهم يسدّد جيدا في مرماه.

مقالات ذات صلة