الأردن: حلفاء كثر وأزمات عديدة

مهند مبيضين

حرير- أخذت المبادرة الأردنية من أجل سورية، والتي جاء الإعلان عنها بعد زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي دمشق، عقب الزلزال المدمّر، حيزاً كبيراً من النشاط الدبلوماسي الأردني، والذي نتج عنه اجتماع في عمّان أخيرا لممثلي دول عربية والأمم المتحدة، في سبيل توفير الحشد الدولي للمبادرة التي يكرّر الصفدي في مؤتمراته الصحافية و”طلّاته التويترية” المكثفة بأنها للدفع إلى انخراط النظام السوري وأطراف الأزمة السورية في عملية سياسية تؤدّي إلى حلها.

لم يكن الصفدي رجل الحلول لبرود العلاقات الأردنية السورية خلال العقد الأخير، فمنذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري 2005، ولاحقا اغتيال الصحافي والباحث سمير قصير، تبنّى الصفدي الدفاع عن لبنان ووقف التدخل والعبث السوريَّين بأراضيه، وسمّى قاعة في صحيفة الغد الأردنية إبان رئاسته تحريرها باسم سمير قصير، وظلّ ناقدا للنظام السوري بفعل قمعه نخبه ثم الشعب في ثورته التي دخلت عقدها الثاني بلا إنجاز حاسم، وهو اليوم داعية إلى حلّ الأزمة في سورية عبر الحوار وعبر عملية سياسية تؤدّي إلى اعتراف النظام بجلوسه على طاولة الحوار مع المعارضة التي تحوّلت إلى معارضات وجبهات عدّة.

لقيت المبادرة الأردنية شبه تحفظ أميركي، لكن العرب الذين زاروا دمشق أيضا وفتحوا جسور إمداد وإغاثة إنسانية بعد الزلزال لا يرون في الغضب أو الرأي الأميركي أي قيمة في الأزمة السورية التي أدّى التدخل الروسي فيها منذ عام 2015، ومعه الإيراني، إلى تراجع الاندفاع الأميركي ضد ما كان يسمّى الاستبداد السوري، ونال الأسد حظوة الروس ورعايتهم، ولم تشأ الولايات المتحدة في زمن ترامب أن تدخل في صراع مع الروس، وظلّت الأزمة عالقةً حتى جاءت أزمة كورونا وأشغلت العالم بالموت والحياة أكثر من أزماته مع النظم المستبدّة.

تحرّك العرب في إطار المبادرة الأردنية يعني الكثير للنظام السوري، الذي يرى في العمل الأردني دفعا جديدا لتطوير استجابته للواقع الذي يعيشه، خصوصا في ظل التحوّل الكبير في العلاقات السعودية الإيرانية، وفي ظل تحوّلات إيران وروسيا من الداخل، حيث تشهد إيران شبه ثورة داخلية غير معلنة، وروسيا تنافح في حرب الامتصاص لقوتها في أوكرانيا للبقاء على هيبتها القيصرية، وهي لا تحتمل ثقل خسارتها بعد كل ما قامت به.

رأى بشّار الأسد أن الباب الأردني لا ضير من ولوجه في الدخول بسلسلة وعود جديدة تُبقيه أكثر مدة ممكنة في السلطة، فيما وزراء الخارجية العرب يزورونه فرادى، ويلتقط معهم الصور ويعقد معهم الجلسات البرتوكولوية، ولهذه الدول رأي أيضا في مسألة انتظار المسألة السورية وحسمها وعدم إبقاء سورية مفتوحة على العبث الايراني وانفلات الأمن أو صراع القوى في الإقليم، لكن الدعوة إلى الانخراط في حوار وخريطة طريق للانتقال السياسي قد تمنح الأسد عقدا آخر كي يعاد ترميم الوضع السوري لما كان عليه قبل الثورة.

في المقابل، عبّر الأردن عن مصالحه بوضوح في الدعوة إلى حوار سياسي سوري وإنهاء الأزمة السورية، فهو المتضرّر الأكبر اقتصاديا، وهو الذي يستضيف مجتمعات من اللاجئين السوريين، وأكثر الأخطار الأمنية التي يواجهها هي على الحدود الشمالية التي تشهد توسّعاً وتطوراً في تهريب السلاح والمخدّرات إليه. وقد طرحت عمّان هذا الواقع “الأمني على الحدود وتهريب المخدّرات” في مباحثات عليا مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في زيارته البلاد ضمن جولة له في المنطقة أخيرا. حيث يرى الأردن حليفه الروسي الذي طالما ضمن مع النظام السوري إبقاء الحدود آمنة غير قادر اليوم على ممارسة الدور ذاته، وأن الاستمرار بالاتكاء على الروس غير فعّال، فكان التفكير بالبديل والحليف الأميركي متاحا، نظرا إلى عمق العلاقة ومتانتها ووثوقها، لكن هذا الحليف غير متحمّس للدور الجديد للأردن في فكفكة الأزمة السورية.

مواجهة الأردن الأخرى هي مع إسرائيل، وحكومة نتنياهو الذي لا تحترم أي تفاهمات معه، ونقضت كل ما جاء في لقاء العقبة الخماسي الأمني الذي حظي بدعم الحليف الأميركي أيضا، من أجل حفظ التصعيد في الأمن، ووقف بناء وحدات استيطانية جديدة، والحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدّسة. وللأسف، ما تلى ذلك اللقاء عكس ما أعلنه بيانه، حيث نقضت إسرائيل كل ما عبّر عنه اللقاء، وكان العدوان على نابلس وبلدة حوّارة، وأخيرا الإعلان عن ضم مستوطنات جديدة بالرغم من وقوعها على أراضٍ فلسطينية.

هذا الصلف الإسرائيلي، بعدم احترام الاتفاقيات مع الأردن، والذي أكّد تطرّف حكومة نتنياهو جسّده تصريح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في باريس عن عدم وجود شعب فلسطيني مع إشهاره خريطة تضم المملكة إلى إسرائيل، وهو تصريح غير مفاجئ من وزير في حكومة نتنياهو، لكنه مهم في سياقات التطرّف الاسرائيلي المستمرّة لتنبيه كل الراغبين بعلاقات مع إسرائيل بكيفية تفكير النخبة الاسرائيلية نحو العرب جميعا، وباستحالة السلام معها. وليس هذا التخريف الإسرائيلي جديدا، لكن اللافت أن حكومة نتنياهو، بعد الضغوط التي مارسها الأردن عبر استدعاء سفيرها في عمّان وتوصية مجلس النواب الأردني بطرده، وبعد بيان الخارجية الأردنية شديد اللهجة وحركة وزير الخارجية أيمن الصفدي، لم تستنكر تصريح وزير المالية فيها، وإنما أكّدت التزامها باتفاقية السلام مع الأردن الموقعة عام 1994.

لقد دفعت التصريحات الإسرائيلية فرنسا إلى رفض استقبال سموتريتش الذي كان قد دعا سابقا إلى محو بلدة حوّارة الفلسطينية، وتلقّت عمّان دعما عربيا ورفضا لتلك التصريحات، وكانت سورية أول الرافضين لها، وأول من أكّدوا على وحدة الأراضي الأردنية وسلامتها، وهو تعامل في سياق اللحظة التي يقود بها الأردني الدعوة إلى فتح ممرّ جديد يؤمن لسورية الخروج من أزمتها.

في المحصلة، لدى الأردن حلفاء كثر، لكن عنده مواجهات عديدة لأزمات خارجية وداخلية، تتعاكس أحيانا مع حلفائه، وهو ما يستدعي إيجاد واقع جديد وإبداع مخارج جديدة في علاقاته الخارجية وملفاته الداخلية التي تتطلب حسما مباشرا، ليكون أكثر مناعة. ولعل في الاتفاق السعودي الإيراني ما يكفي من دروس وعبر، لأهمية مغادرة الأردن المحاذير التي طالما توجّس منها.

مقالات ذات صلة