الرئيس و”عقدة الشعبية”!.. محمد أبو رمان
تجادل نخب سياسية بأنّ أكبر تحدّ يواجه مسار حكومة د. عمر الرزاز هي الشعبية التي يحظى بها الرئيس نفسه، والتي قد تدفع به إمّا إلى الصدام مع مؤسسات في الدولة أو تجنّب اتخاذ القرارات المهمة، بخاصة في الجانب الاقتصادي، خشية على شعبيته.
وترى الأوساط ذاتها أنّ المعركة الحقيقية الأولى للرجل وحكومته ستكون قريبا في الدورة الاستثنائية القادمة التي سيتم خلالها مناقشة مشروع قانون ضريبة الدخل المعدّل، وهو المشروع الذي أطاح – عملياً- بحكومة هاني الملقي. وأيّا كانت التعديلات التي سيدخلها “فريق الرزاز” على المشروع فلن تكون قريبة من سقف توقعات الشارع، وبالتالي سيصطدم بالقوى الشعبية التقليدية والصاعدة، وربما يؤدي ذلك إلى عودة حراك الشارع!
لا يمكن تجاهل وجاهة هذه “العقدة” ولا التقليل من أهمية امتحان مشروع قانون الضريبة الوشيك، بخاصة أنّ الوقت يداهم الحكومة ويسرّع من وتيرة الأحداث، ويحجّم من الوقت المتبقي والمتاح لإجراء حوار وطني معمق حول المشروع المطلوب، ومحاولة الوصول إلى “معادلة” توازن بين تصوّرات صندوق النقد الدولي (المهمة للاستمرار في برنامج الإصلاح المالي) من جهة والأطراف المحلية من جهة أخرى!
مع ذلك فمن المهم، هنا، أن نستدرك بأبعاد أخرى للقصة يمكن للنقاش السابق أن يقفز عنها أو يتجاهلها؛ وأبرز هذه الأبعاد عدم التمييز بين المصداقية والشعبية من جهة والشعبوية من جهةٍ أخرى، ومن أغرب الأمور في الأردن أن يتكرر على لسان مسؤولين وحتى رؤساء وزراء في الأردن كلمة أنّ فلان يبحث عن الشعبية، أو أن يقول: أنا لا أبحث عن الشعبية، وكأنّها تهمة أو شتيمة، بينما العكس هو الصحيح تماماً، بمعنى أنّ مشكلة الحكومات في الأعوام الماضية هي انهيار الشعبية والمصداقية وولادة “حفرة الانهدام” بينهم وبين الشارع!
الآية معكوسة تماماً، يا سادة، كيف يمكن لحكومات أن تمرر قرارات مهمة وكبرى تؤثر على حياة الناس، وهي لا تمتلك قاعدة شعبية، ولا تخاطب الشارع، ولا تشتبك معه! كانت هذه مشكلة السياسات الأردنية في الأعوام الماضية، وبالتالي هي ليست نقطة تسجّل ضد الرجل وحكومته، بل لصالحه، ومن الضروري أن يكون التوجّه للحفاظ على القاعدة الاجتماعية وعلى قدر من الشعبية وليس التشاطر والبراعة في استعداء الشارع كما فعل غيره، وكأنّ المواطنين أعداء ومصداقية الحكومة تهمة!
البعد الثاني أنّ المشكلة لم تكن تماماً في مضمون المشروع المعدّل، فهنالك نقاط مهمة وإيجابية كثيرة فيه، لكنّها في افتقاد الحكومة السابقة للشعبية والشرعية والمصداقية، وبالتالي خسارتها الشارع قبل أن تطرح الموضوع أصلاً، وهذا يعزّز النقطة السابقة، ويمكن أن نضيف على ذلك أنّ المشكلة الكبرى كانت في سياسات طرح الموضوع والتحضير له والحوار المطلوب لإنجازه، فجاء المشروع وكأنّه كائن فضائي مفروض على الحكومة نفسها، لذلك، فإدارة سياسة طرح المشروع والحوار حوله شرط مهم في نجاح أو فشل الحكومة الراهنة.
البعد الثالث أنّ مشروع قانون ضريبة الدخل مهم في النقاش، لكن هنالك أبعادا أخرى مرتبطة بعلاقة المواطن بالدولة، فالاحتجاج الشعبي كان على المعادلة الظالمة بين مستوى الخدمات من جهة والقانون الجديد من جهة، وإذا كان هنالك انفتاح سياسي وتصوّرات لتحسين الخدمات وماكينة إعلامية ذكية تعمل مع الرئيس وحكومته فإنّ الحكومة ستعبر الامتحان الحقيقي الأول بأقل الأضرار.
الطريف في الأمر أنّ خصوم الرئيس، من النخب السياسية المحافظة والراديكالية، ينتظرون وقوعه في “فخ القانون”، ولا يدركون خطورة مثل هذه الأزمة ليس على الحكومة بل على الدولة بأسرها!