حقوق الفلسطينيين أولاً

علي سفر

حرير- الاسترخاء التاريخي لدولة إسرائيل في علاقتها القهرية مع الشعب الفلسطيني، ومن خلفه الشعوب العربية، لم يأت فقط من الدعم الغربي لوجودها، بل أيضاً من علاقتها العلنية أو الخفية مع الأنظمة العربية.

كان التفكير السائد لدى تل أبيب يقول إن الشعوب “في الجيبة”، طالما أنها تُقاد بالحديد والنار من قامعيها الذين ذهبوا إلى توقيع اتفاقيات السلام، أو غيرهم الذين يدّعون المقاومة والممانعة. وبناء على هذا اليقين، لطالما كان التطبيع مطلباً ملحاً، يعقب توقيع أي اتفاقية، لكن السؤال الذي طرح كثيراً: أي فائدة سيجنيها المحتلون من العلاقة مع الشعوب العربية؟

لنبتعد قليلاً عن الصفقات الاقتصادية، والصور الدبلوماسية، والأفلام السياحية، ولنفكّر بما سيحققه وجود الزيارات المتبادلة بين الجهتين. أليس الهدف الأساسي هو إيجاد صيغة وجودية للكيان المفبرك، وإقناع للذات، بأن المأساة التاريخية المتولدة عن وجوده، لن تقف حجر عثرة في طريق تمدده، ليأخذ شرعيته من خلال علاقته بمحيطه!؟

يشعر المطبّعون بأنهم مهمون في سياق علاقتهم مع إسرائيل، لكن الأوهام تتلاشى مع معرفتنا أن الغرض من هذا كله تسميم القضية الفلسطينية عبر تدمير حواضنها العربية، وصولاً إلى الاستفراد النهائي بالفلسطينيين، وفرض الحلول المتاحة عليهم.

أثبت التاريخ أن التطبيع كفعالية ما زال غير قابل للتحقق، ليس لأن الأنظمة لا تريد ذلك، بل لأن الشعوب هي التي ترفض أن تبني علاقة مع قتلة ومجرمين، اغتصبوا حقوق شعبٍ شقيق بأكمله، والأمثلة على هذا واضحة، في مصر والأردن والمغرب، وغيرها من البلدان التي تنشط فيها الفعاليات الرافضة معاهدات سلام، تجاهلت جذر القضية، وعميت عن النظر فيه.

اعتقد الإسرائيليون أنهم يستطيعون تجاوز العُقد المحلية في البلدان السابقة، والتوجّه صوب أخرى، لكنهم صدموا بما واجهوه حينما أرسلوا فرقاً إعلامية إلى مونديال قطر لرصد (وتبيّن) نظرة الآخرين لهم، في الخليج العربي أو الدول العربية، أو بين ضيوف الفعالية، حيث ظهر أن العلاقة بين المواطن العربي والمراسل الصحافي لم تبدأ من خلال تمثيل الأخير الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها بقدر تمثيله دولته، الأمر الذي جعله هدفاً لغضب كل من حاول مقابلتهم.

في منبر ديموقراطية الشارع الذي لا يتحكّم به أحد، سيسمع الإسرائيليون من الآخرين حقيقة راسخة، بكلام صريح واضح، يقول: إن كيانهم لن يكون جزءاً من أي شيء في المنطقة، إن لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، وأولها حق العودة، وقيام دولتهم ذات السيادة على أرضهم، وعاصمتها القدس الشريف.

إهمال المراسلين المتظارفين لم يكن غاية للكارهين، بل كان طريقة لرواية الناس العاديين الحكاية، وهم الذين لا يبدون معنيين بما تريده الحكومات والأنظمة، ولا حتى الاتفاقيات الدولية التي تسمح لهؤلاء بالقدوم إلى أرض عربية.

وبينما يذهب الكيان الصهيوني سياسياً أكثر فأكثر نحو التطرّف في إنكار سياسييه الحقوق العربية، وإلى سياسة دموية يومية تقتل الشباب الفلسطيني تحت عين العالم ومرآه، ستكتشف “النخب” الإسرائيلية أن عشرات السنين من اتفاقيات السلام لم تستطع أن تنتج حالة ترحيب واحدة بموفديهم، الأمر الذي جعل السفير السابق في مصر، إسحق نافون، يسأل متحسّراً: “هل سنواصل الوضع الحالي الذي نستمر فيه في بناء العلاقات مع الزعماء فقط، أم سنغيّر المعادلة كي يتغلغل هذا إلى الشعب أيضاً”؟. وهذا التصريح الذي جرى تداوله على أنه تفكير بعقد معاهدات سلام مع الشعوب وليس الأنظمة لا يقدّم ولا يؤخر فعلياً في أي سياق، سوى أنه استنتاج يأتي من زاوية رؤية بعيدة، تولدت بناء على تفاصيل ما جرى في قطر. وسيبقى مجرد وجهة نظر لدبلوماسي سابق، لأن الأسئلة الحادّة التي على الإسرائيليين أن يطرحوها على أنفسهم هي ابنة سياساتهم في الأرض الفلسطينية ذاتها. وبناء على قراءة ما حدث من جرائم خلال الأيام والأسابيع الماضية يجب أن يكون السؤال: ما الفائدة من معاهدات سلام مع الشعوب، بينما ثمة شعب واحد هو صاحب القضية، لم يُعقد معه السلام، ولم يُنظر فعلياً، رغم كل الاتفاقيات الموقعة مع ممثليه، إلى احتياجاته، وما زال يتعرض للاستهدافين المادي والرمزي، في مقومات وجوده؟

كان علم فلسطين هو اللاعب الإضافي في كل المباريات التي شهدها مونديال قطر، وقد شكّل وجوده إشعاراً لا تتجاهله العيون بوجود الشعب الفلسطيني، لكن تصريح السفير السابق في القاهرة، بكلماته وطريقة صياغة محتواه، يكشف عن أن أساس الرؤية الصهيونية التي لا ترى وجوداً لآخرين في المكان ما زال قائماً، حتى وإن لبس أصحابه معاطف البراءة، وجاءوا إلى ديار العرب ضاحكين.

مقالات ذات صلة