في الصميم

د. هاشم غرايبة

حرير- ما زال قول الشاعر عمر ابو ريشة “أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم” يصدق فينا، والفجوة بيننا وبين سائر أمم الأرض الأخرى تزداد اتساعا.
وبنظرة خاطفة الى ما كان العالم عليه قبل خمسة وسبعين عاما، إثر خروجه من حرب عالمية مدمرة، سنجد أن سائر الأمم تعافت واستعادت سيرها في طريق التقدم، سواء منها ما انتصر أو انهزم، أما أمتنا والتي رغم أنها لم تكن من هؤلاء ولا هؤلاء، إذ لم تشترك في القتال، لكنها لم تتقدم قيد أنملة، أسوة بباقي الأمم، لأن كياناتها السياسية بقيت مرتهنة للغرب المنتشي بنصره، رغم أنها مستقلة إسميا.

مصيبتنا أن كل قطر من أقطار الأمة يعيش الآن في حالة من التمزق والهشاشة الإجتماعية والإقتصادية لدرجة أنه يحلم بالعودة الى الماضي الجميل، في حين أن باقي الأمم تحلم بغد أكثر إشراقا.

ذلك يعني… ويا للحسرة، أن قياداتنا السياسية الملهمة، كانت تغذ بنا السير الى الخلف، وباقي العالم يتقدم.

رغم هذا الواقع المرير، فالعاجز هو من يُقعده الإحباط، أما العاقل فيمعن النظر فيما أدى الى ذلك، يبحث في ذاته عن عوامل النجاح فينميها، وعن عوامل الفشل فيتخلص منها.

لو تفحصنا سبب تقدم الآخرين علينا، لن يكون حتما عائدا الى تفوق عقلي، فكل علماء الاجتماع يؤكدون أنه لا تفاوت بين قدرات البشر بناء على العرق أو القومية أو الجغرافيا، بل يعود في أساسه الى زعامة راشدة وقيادة مخلصة، فذلك يحفز الأفراد للإبداع، ولما كانت النزاهة والعدالة سمة ذلك الرشاد، فذلك يتيح الفرص للجميع فيعظم الإنتاج، وعندما يعم الرخاء وتستقر الأوضاع السياسية، يتحقق التقدم.

هذه هي الوصفة الصحيحة، وهي صالحة للإستعمال في كل الظروف والأزمنة.

رب قائل: أليس هنالك من الزعماء العرب من وعى هذه الحقيقة؟.

ربما، لكنه لم يتح له تطبيق الوصفة، لأن الغرب المهيمن عسكريا واقتصاديا استلب الإرادة وارتهن القرار، فمن تقبل الإفساد والإفقار لبلده أبقوه وحموه، ومن أحسوا بنيته النهوض به، استبدلوا به من صنائعهم من انقلب عليه لتقويض ما بناه، أو أعاقه وأفسد خططه.

قد يعترض البعض من دعاة التبعية للغرب، قائلين أن العيب فينا لكننا نحب القاء اللوم على الغرب دائما، واتهامه بأنه وراء مصائبنا.

الجواب الذي يسكتهم هو: لقد انهزمت أمم غيرنا كاليابان وألمانيا وإيطاليا، تركت موحدة فنهضت، فيما أمتنا الوحيدة التي فرض عليها التقسيم والشرذمة، وزرع فيها كيان معاد لإدامة ذلك.

فهل الى خروج من هذا المأزق من سبيل؟.

نعلم أن قدراتنا التنافسية محدودة، فواضح أنه ليس لدينا إمكانية لمنافسة الغرب في التقدم التقني، ولا نمتلك الثقل السكاني التصنيعي مثل الصين أو الهند، كما لا يمكننا التفوق في مجال تقديس العمل وتحدي سباق الزمن كألمانيا واليابان وكوريا.

ما هو ثقلنا وعمدة وزننا إذاً؟ هل لدينا في رصيدنا الحضاري والقيمي غير الإسلام؟.

وهل لنا أن نفهم لماذا كانت الحرب على الإسلام (الإرهاب)، إن لم تكن لأنهم يعلمون أنه الخيار الوحيد الناجح لدينا؟.

حتى نستخرج هذا السلاح المجرب فعاليته من معتقله، يجب أولا أن نغافل الحراس الأشداء الذين أقامهم الأعداء عليه منذ قرن، لإبقاء الدين محبوسا في المساجد، بعيدا عن التأثير في الناس والحياة العامة، وهم الحكام الملتزمون بطاعة الغرب الذين يملكون ابقاءهم أو استبدالهم.

ويتطوع لمساندتهم في ذلك، فئة المعادين لمنهج الله، ومسماهم المعاصر هو العلمانيين العرب، وهم ذاتهم الذين مسماهم التاريخي: (المنافقون)، وهم خفيون لكن يكشفهم أنهم يحالفون كل من يعادي عقيدة الأمة.

يساعد هؤلاء من داخل الدين، فئة المتشددين من حراس النصوص الخائفين عليه من العبث به، جهلا به وقصورا عن فهمه، يريدونه مكتّفا جامدا، في خزائن مصفحة، ويقتصر استعماله على المظاهر والطقوس.

متى ما تمكنا من استخراج هذا السلاح الجبار، والذي ظل استخدامه من بعد الخلفاء الراشدين، متاحا فقط للطامعين والمستبدين من رجال السياسة، فيما خلا مرات قليلة بيد عمر بن عبدالعزيز فاستعاد به منهج الراشدين، والسلطان قطز فهزم به المغول، وصلاح الدين حرر به القدس.

وكما في تلك المرات، يمكن به فقط، القفز الى الأمام في سباق التنافس مع الأمم الحية.

 

مقالات ذات صلة